Friday, May 29, 2009

موجة الاحتواء

مذ تربع غوغل على عرش الإنترنت كلما ظهر موقع أو خدمة جديدة ادعى أحدهم أن هذا ما سيقضي على غوغل وبرأيي قلة هي المواقع التي شكلت تهديدا حقيقيا على غوغل. لكن فيسبوك وشعبيته المتزايدة ربما كان يشكل تهديدا على المدى البعيد. كنت أظن أن محاولة غوغل المساهمة في تطوير شبكة اجتماعية مفتوحة المصدر (إلى حد ما) هو ردها على فيسبوك لكن يبدو أنها عملت سرا على سلاح جديد. عرضت غوغل مؤخرا في مؤتمرها خدمة جديدة لا تزال قيد التطوير إنها google wave.
يمكنكم مشاهدة فيديو العرض:



مثل جميع خدمات غوغل تقريبا فإن هذه الخدمة مبينية بشكل جيد (بل ممتاز) وقد وضع مصمموها سلاسة الاستخدام في صلب تصميمها. لم تأتي غوغل بجديد فمكونات الخدمة موجودة من قبل (الشبكات الاجتماعية، ويكي، فليكر، بل حتى برنامج talk في أنظمة يونيكس) لكن دمج كل هذه ا المكونات و"طبخها" بأسلوبها المميز (مستغلة خواص الـHTML 5) هو ما يعطي الخدمة نكهتها الخاصة.

كلمة حول فيسبوك، أعتبر هذه الخدمة خطوة بالغة الذكاء إذ بدلا من محاولة التنافس مع فيسبوك في ملعب فيسبوك البيتي قامت غوغل بتطوير هذه الخدمة التي قد تمكن (في حالة وافق فيسبوك على دعمها) المرء من استخدام فيسبوك عن طريقها ولذا سيتم تحييد مخاطر فيسبوك. لا أظن أن هذه الخدمة ستقضي على فيسبوك لكن تقوم باحتواء مخاطره على مصالح غوغل التجارية. كما أنها ستقلل من أهمية الانتماء إلى شبكة اجتماعية محددة لأنها تمكن التواصل بين مستخدمي عدة شبكات مختلفة. هنالك احتمال أن ترفض فيسبوك (أو غيرها) أن توفر دعما لغوغل ويف ولكنها عندها ستخاطر بفقدان جاذبيتها.

قررت غوغل جعل هذه التكنولوجيا مفتوحة المصدر مما سيساهم في عملية التطوير وسيؤدي (حسب رأيي الشخصي) إلى تطوير تطبيقات لم تخطر على بال مصممي الخدمة. كذا هي المصادر المفتوحة. المؤكد أننا لن نملّ.

ملحوظة: لست متأكدا من ترخيص الفيديو لكن يبدو لي أنه حقوقه محفوظة لغوغل (بعكس ترخيص نص المدونة الحر).

Friday, May 15, 2009

عطش

قبل فترة وجيزة اكتشفت مدونة حياة في السينما التي يحررها أمير العمري، المدونة عبارة عن "كتابات شخصية حرة عن السينما في الحياة، والحياة في السينما" ورغم أنني لم أكن مطلعا على كتابات أمير العمري سابقا (وهو ناقد سينمائي) إلا أن آراءه أعجبتني وقد أصبحت من متابعيها. في أول أيار نشرت في "حياة في السينما" تدوينة بعنوان "فيلم "العطش": سينما جميلة ولكن بدون روح" يقوم فيه بانتقاد فيلم عطش (وليس العطش) باكورة أفلام توفيق أبو وائل الروائية الطويلة. لم أوافق المؤلف في تحليله للفيلم وقمت بكتابة رد مقتضب في التعقيبات وقام بالرد علي هناك موضحا بعض الأمور لكنني لا أزال أخالفه الرأي وسأكتب هنا قراءتي الخاصة للفيلم. أرجو من القراء الأعزاء (إن وجدوا) أن يطلعوا على تدوينة العمري وعلى ردي عليه.

لست ناقدا سينمائيا بل مجرد مشاهد عادي لكن قراءتي لفيلم عطش مختلفة جدا عن نقدك له. يهدف الفيلم إلى نقد المجتمع البطريركي فبسبب هذا المجتمع البطريركي يتم التعامل مع المرأة كعورة وبسببه تحدث جرائم "الشرف" (بالإضافة إلى مواضيع أخرى مثل العلاقة الملتبسة بين الأب وابنته الخ...) وقصة الفيلم أنه بسبب إشاعة عن علاقة عاطفية بين جميلة وأحد الشبان يجب على أبو شكري أن يقتلها "لتطهير" "شرف" العائلة ويقوم باقتناء مسدس لتنفيذ الجريمة لكنه عند مواجهته ابنته لا يقوى على قتلها بسبب حبه لها ومن ناحية أخرى فإنه لا يستطيع مواجهة أهل القرية فينأى بعائلته إلى بقعة صادرتها دولة إسرائيل من أهل أم الفحم وبنت فيها مبان خرسانية لتدريب الجيش ثم هجرتها لاحقا... وقد اعتاشت العائلة من بيع الفحم الذي صنعوه من خشب الأشجار التي اقتطعوها من حرج قريب (ومثل هذه الأحراج قام بزراعتها الصندوق القومي اليهودي وفي أحيان كثيرة على أراضي قرى مهجرة). وفي هذه "المملكة" كان الأب هو الآمر الناهي دون أي تحدّ لسلطته. صنع الفحم يحتاج إلى ماء لإطفاء النار مما يجبر العائلة على جلبه من عين ماء محملا على حمار (كما كان الأمر قبل قرن ونيف). في بداية الفيلم يحاول شكري (ابن أبو شكري الوحيد) التهرب من هذه المسؤولية والذهاب إلى المدرسة بدلا من ذلك (وهي برأيي تدل على رغبته بحياة طبيعية وتعد بادرة من بوادر تمرده على سلطة الأب). يقرر الأب بعد هذه الحادثة أن يقوم بربط مكان عيشهم بالمياه الجارية مما يسهل من حياة العائلة لكنه أيضا يسبب سلسلة من الأحداث التي تنتهي بقتل شكري لأباه واستلام مكانه ومعاملته لباقي نساء العائلة بنفس أسلوب أبو شكري.

الفيلم إذن ينتقد بنية المجتمع البطريركي التي لها بعض المسؤولية بآفات المجتمع العربي وحتى بعض تمرد الجيل الجديد فقد تبنى الإبن نفس أساليب الأب وبقيت العائلة تعيش في منفاها القسري/الخياري بسبب ضعف الأب/الإبن وعدم قدرتهما على مواجهة المجتمع. لدينا العديد من الكتابات حول المجتمع البطريركي في الأدبيات النسوية (العربية والعالمية) ولعل أشهر من كتب عنه عربيا هو هشام شرابي. وهذه البنية ليست محصورة بالمجتمع العربي/الشرقي/المسلم لكن حضورها فيه قد يكون أشد طغيانا من المجتمع الغربي الذي كان للحركة النسوية فيه نجاحات أكبر (نسبيا، فلا زالت حقوق المرأة مهضومة حيثما وجدت).

كنت قد تطرقت في تعقيبي على تدوينتك حول الإشارات إلى الوجود الإسرائيلي في الفيلم وقد قمت ببحث سريع في الإنترنت ووجدت بعض الكتابات حول هذا الفيلم كتبها نقاد إسرائيليون وقد انتبهوا أيضا إلى نفس الأمور التي أشرت إليها وانتبهوا إلى أمور غفلت عن عيني (لم أقرأ هذه التحليلات من قبل بل كان ما ذكرت من تحليلي الخاص ولك أن تصدقني أو لا). سأورد ترجمة لبعض المقاطع:

يقول أوري برايتمان: "رغم أنه في الفيلم كله لا نرى أي جندي إسرائيلي، فإن الجيش حاضر-غائب[١] بواسطة صمامات أمان القنابل اليدوية التي جمعتها البنت الصغرى فأضحت آلة موسيقية، عن طريق الأطلال الرمادية وأغلفة الرصاص التي تشكل آثار بنادق جيش الدفاع الإسرائيلي. لا وجود لشرطة، موظفين أو إسرائيليين يهود بالمرة. الدورية الخضراء[٢]، التي عليها حماية الغابات المحمية من قطع الأشجار، لم تكن حاضرة عندما قام ولي الأسرة بمخالفة القانون. يبدو وكأن دولة إسرائيل غير مكترثة بجودة حياة العائلة الفلسطينية المعروضة أمامنا في "عطش"."

أما الناقد متان أهروني فيعيد ذكر الرموز التي ذكرها برايتمان قائلا:"إسرائيل واليهود غير مذكورين في الفيلم بشكل واضح، لكن لهم كيان وحضور رمزي: يظهرون بانهم بنوا أبنية (بيوت مخصصة للتدريبات العسكرية، التي تمثل العنف العسكري) على أراض عربية - كما يدعي الأب أن مكان التدريبات المبني من الخرسانة، التي تعيش فيه العائلة، يقع على أراضي أبائه ولكننا نكتشف أن الأراضي صودرت قبل ٥٠ عاما. عنف اليهود ممثل في صمامات أمان القنابل اليدوية ورصاصات البنادق، التي تستعملها البنت لإنتاج الموسيقى (بدلا عن العنف اليهودي-الصهيوني)، في النقود الإسرائيلية التي يستعملها الأب (لكي يحافظ على البقاء في المكان النائي بواسطة شراء مواسير المياه)، في "الدوريات الخضراء"، التي تستطيع منع رزق العائلة، إن قبضت عليهم، وهي تمثل الجيش بشكل واضح" ولكنه يضيف بتحليله لمغزاه:
"في الفيلم العائلة تمثل العرب الإسرائيليون كلهم، الذين أصبحوا بحسب الفيلم (كما أفهمه) منبوذين ونائين عن بقية العرب حولهم، الدول العربية المجاورة لنا، غير المستعدة لقبولهم ومساعدتهم".

ويقول أيضا:
"برأيي الفيلم ثوري ضد اليهود. إنه يقوم بذلك بصورة رمزية، مثل الأفلام الإيرانية التي في ظل الرقابة تعرض الأمور عن طريق الأمثال مثل استخدام الأطفال والمواضيع الكونية التي يتم تفسيرها من قبل من يتوجه إليهم الفيلم كمواضيع ثورية ومضادة للمؤسسة. كذلك الأمر في هذا الفيلم فإن الانتقاد السياسي والقومي يختبئ خوفا من الرقابة، بسبب كون الفيلم مدعوما من هيئات يهودية، التي تمنع سياستها الدعوة إلى العنف ضد الدولة"

برأيي فالناقد الأخير يبالغ في تفسيره للفيلم وفحواه القومي كما أتحفظ على استخدامه لمصطلح يهود بدلا من صهاينة/السلطة الإسرائيلية. الفيلم برأيي يدعو إلى تغيير بنية المجتمع العربي ويراها شرطا للخروج من وضع الجمود. الفيلم يرمز لظلم المؤسسة الإسرائيلية لكنه انتقاده الخفي لا يخرج عن دائرة المواطنة فهو لا يتحدث عن القضية الفلسطينية ككل بل عن حالة خاصة هي حالة عرب الداخل.

خلاصة: لا أظن وجود خلاف على موهبة المخرج أو الجمال السينمائي ولكنني لي رأي في فحوى الفيلم ومغزاه يختلف عن رأيك.

توضيح لا بد منه
أرى نفسي مضطرا لإضافة هذا التوضيح بعد قراءتي للنص الذي كتبت لتوّي كي أوضح للقارئ بعض الأمور ومنعا من حدوث سوء فهم لرأيي.
أولا، أنا أحترم رأي الناقد أمير العمري وأتفق معه في العديد من طروحاته وإن كنت أختلف معه برأيه لهذا الفيلم بالذات.
ثانيا، أوافق رأيه بوجود العديد من الأفلام المصطنعة التي تلقى إعجاب النقاد الغربيون وقد تنجح في المهرجانات الدولية بسبب جماليتها رغم فحواها الأجوف لكنني لا أرى أن عطش هو أحدها.
ثالثا، برأيي ينبع عدم تقدير العمري للفيلم إلى فهمه الخاطئ لرموزه الذي ينبع من عدم معرفته للوضع الخاص بعرب الداخل (لا أستطيع قراءة الأفكار لكن هذا ما يبدو لي من كتابته) إذ أن تفكيك معاني الرموز يحتاج إلى الإحاطة بظروفهم المعيشية وإدراك المعاني الرمزية لأمور قد تحمل معنى مغايرا في مجتمعات اخرى (مثلا الأحراج وما ترمز إليه من محاولة الحركة الصهيونية إخفاء آثار القرى المهجرة ومحاولتهم أوربة طبيعة البلاد من خلال زرعهم الصنوبر والسرو والكينا - الذي لم يكن منتشرا في فلسطين قبل ذلك-) كما عليه أن يذكر أن الأقلية الفلسطينية الباقية داخل الخط الأخضر حصلت على الجنسية الإسرائيلية ومنذ إلغاء الحكم العسكري في منتصف الستينات لا تعاني من التوغلات العسكرية او منع التجول (وما إلى ذلك مما يعاني منه إخواننا في الضفة الغربية وغزة) لكنها تعاني من التمييز ومصادرة الأراضي إلخ... فخروج أبو شكري من بلده لا يرمز مثلا إلى اللجوء الفلسطيني بل برأيي هو مجرد "خدعة" من المخرج لخلق العالم المنعزل الذي هو رمزي إلى درجة كبيرة ولا يخلو من دلالات على الظلم الإسرائيلي (بالإضافة إلى كونه إشارة إلى ضعف الأب/البطريرك الذي لا يستطيع مواجهة المجتمع). وقد أوردت تحليلا لناقدين إسرائيليين مختلفين (قرأت تحليلهم اليوم لأول مرة) لأبين
انني لست الوحيد الذي خرج بمثل هذا التفسير وأنا لم أحتج للتنقيب عن مقالاتهم فقد كانوا في الأماكن الأولى في غوغل عندما بحثت عن عطش بالعبرية.

أختتم توضيحي بتوجيهي تحية لكل من يسبح ضد التيار بحثا عن الصدق الذاتي، علينا ان نتحلى بروح نقدية وألا نتحول إلى ببغاوات تردد ما تسمعه... ورغم خلافي بالرأي مع العمري إلا أنني أحترم تمسكه برأيه وعدم الانجراف وراء التيار السائد. ردي هنا كان مقتضبا ولم يتحرى جميع الرموز في الفيلم وقد أكتب عن ذلك في فرصة أخرى.

الهوامش

[١]
مصطلح الحاضرون الغائبون يستخدم عادة للدلالة على اللاجئين الفلسطينيين الذين تسللوا عائدين إلى دولة إسرائيل لكن الدولة كانت قد صادرت أملاكهم ومنعتهم من العودة إلى قراهم بادعاء أنهم لم يتواجدوا أثناء الإحصاء السكاني الأول (وذلك بعد أن تم سن قوانين تتيح مصادرة أملاك "الغائبين") فهم رغم حضورهم غائبون بحسب القانون الإسرائيلي.
[٢]
هي دوريات تابعة لسلطة حماية البيئة تهدف منع "انتهاك حرمة" المحميات الطبيعية. نجدر الإشارة أن العديد من مواقع القرى المهجرة زرعت فيها أشجار الصنوبر وأعلنت مناطق خضراء محمية.