Tuesday, February 16, 2010

من قتل المبحوح؟

كم من عميل موساد تحتاج لخنق إنسان واحد أعزل بلا حراس بواسطة وسادة؟ بحسب الفيديو التالي عشر رجال وامرأة:


لست خبيرا في مسائل المخابرات لكن التقنيات المستخدمة هنا (من التخفي وحتى طريقة القتل) تعود كلها إلى عصر ما قبل التاريخ، ومقابل تكنولوجيا القرن الحادي والعشرين فليس لها أمل... لو أراد الموساد نصيحتي، استغلوا كل هذه التكنولوجيا لصالحكم، اخترقوا الكاميرات وراقبوا بواسطتها بدل طواقم المراقبة ففي المرة القادمة قد يكون الشخص حذرا. يكفي رجل واحد للقتل ورجل لاختراق شبكة الكاميرات وانتهى الأمر.

كلما مر الوقت رأيت أن الإسرائيليين يغالون بتقدير مقدرتهم، الأفضل في العالم دون شك!

Thursday, January 28, 2010

وفاة مؤرخ الشعب

توفي أمس 27 كانون الثاني يناير 2010 المؤرخ والناشط الأمريكي هوارد زين. لن أطيل حديثي عن مؤلف التاريخ الشعبي للولايات المتحدة (من أجل هذا الغرض خلق الله ويكيبيديا) وسأكتفي بترجمة مقطع من مقابلة له مع محطة "الديموقراطية الآن" قبل أقل من عام:
نعم، صحيح أن البعض يسأل هذا السؤال مرارا وتكرارا. أتعلمين، هل علينا إخبار الأطفال أن كولمبوس، الذي أخبروا أنه بطل عظيم، أن كولمبوس شوّه الهنود الحمر وخطفهم وقتلهم سعيا وراء الذهب؟ هل نخبر الناس أن ثيودور روزفلت، الذي يعتبر أحد أعظم رؤسائنا، كان في الواقع مثير حروب أحب العمليات العسكرية وقد هنّأ جنرالا أمريكيا لقيامه بارتكاب مذبحة في الفليبين؟ هل نخبر صغارنا ذلك؟

وباعتقادي الجواب هو: نعم علينا أن نكون صريحين مع صغارنا؛ علينا ألا نخدعهم. علينا أن نكون صريحين حول تاريخ بلادنا. وعلينا ألا نكتفي بإلغاء الأبطال التقليديين مثل أندرو جاكسون وثيودور روزفلت، علينا أن نوفر لصغارنا مجموعة أبطال بديلة.

بدلا عن ثيودور روزفلت، أخبرهم عن مارك توين. مارك توين - حسنا، مارك توين، الجميع يعلم أنه مؤلف توم سوير وهكلبري فن، لكن عندما نذهب إلى المدرسة، فإننا لا نتعلم عن مارك توين نائب رئيس عصبة مكافحة الإمبريالية. لا يخبروننا أن مارك توين أدان ثيودور روزفلت لموافقته على المذبحة في الفلبين. لا.

نريد أن نمنح صغارنا شخصيات مثالية مثل هلن كيللر. وأنا أذكر تعلمي عن هلن كيللر. الجميع يتعلم عن هلن كيللر، <كما> تعلمين، الإنسانة المعاقة التي تغلبت على إعاقتها وأصبحت مشهورة. لكن الناس لا يتعلمون في المدارس والصغار لا يتعلمون في المدارس ما نريدهم أن يتعلموا عندما ننجز كتبا مثل تاريخ الولايات المتحدة الشعبي للصغار، أن هلن كيللر كانت اشتراكية. قامت بتنظيم العمال. رفضت عبور خط إضراب أمام مسرح عرض مسرحية عنها.

وهكذا هنالك أبطال بديلون في التاريخ الأمريكي. هنالك فاني لو هامر وبوب موسز. إنهم أبطال حركة حقوق الإنسان. هنالك العديد من الأشخاص المجهولين، غير المعروفين. لدينا في كتاب تاريخ الصغار، لدينا بطلة صغيرة السن جلست في الحافلة في مونتغمري، ألاباما، رفضت مغادرة مقدمة الحافلة. وكان ذلك قبل روزا باركس. أعني، روزا باركس مشهورة بحق لرفضها مغادرة مقعدها، وقد اعتقلت، وكان ذلك بداية <حملة> مقاطعة حافلات مونتغمري وفي الواقع بداية الحركة العظيمة في الجنوب. لكن هذه الفتاة البالغة من العمر خمسة عشر عاما قامت بذلك قبلها. وهكذا، لدينا العديد - ونحاول إحضار العديد من هؤلاء الأشخاص المجهولون إلى واجهة انتباهنا وإلهام الصغر أن يقولوا، "هذا هو أسلوب الحياة المفضل".



لن أطيل عليكم، وأنصحكم بمشاهدة البرنامج الخاص عن هوارد زين من محطة الديموقراطية الآن بعيد موته




النص الأصلي Howard Zinn: "I Wish Obama Would Listen to MLK" عن موقع democracynow.org منشور بترخيص cc-by-nc-nd 3.0
النص العربي منشور بنفس الرخصة cc-by-nc-nd 3.0 (وليس رخصة cc-by كما هو متبع في المدونة)





Monday, January 11, 2010

مقابلة قديمة مع مخرج عجمي

توطئة

شاهدت مؤخرا فيلم عجمي ولي رأي فيه سأكتبه لاحقا، إنه فيلم جدير بالمشاهدة دون شك. كعادتي قمت بالبحث عن بعض الكتابات عن الفيلم في الإنترنت ووجدت بعض المقالات هنا وهناك: أمير العمري كتب عنه بعد مشاهدته في نصف شهر المخرجين في مهرجان كان، علاء حليحل كتب أيضا عن الفيلم (كاشفا نهايته وبعض تفاصيل الحبكة) في مدونته وفي صحيفة الأخبار اللبنانية (مع بعض الفروقات الطفيفة بين المقالين) . كما أحببت ما كتبت الناشطة السياسية والاجتماعية أسماء إغبارية-زحالقة إحدى سكان حي العجمي.

لكنني ورغم مقولات موت المؤلف أردت أن أعرف المزيد عن مخرج ومؤلف الفيلم اسكندر قبطي (بالاشتراك مع يرون شاني) وبحثت عن مقابلات معه بالعربية دون جدوى، لكن شاءت الصدفة أن أعثر على مقابلة قديمة في مدونة باللغة العبرية بعنوان ذبابة على الحائط أجريت مع قبطي عام 2006 قبيل بدء تصوير الفيلم، فقمت بترجمتها إلى العربية لأفيد أشقاءنا في الوطن العربي الواسع. يمكن ملاحظة بعض الاختلافات بين خطة الفيلم وبين النتيجة النهائية في النهاية أصبح العنوان عجمي وليس غصون كما أنه تكون من خمسة فصول وليس سبعة كما كان مخططا.

في ترجمتي تعمدت التزام الترجمة الحَرْفية قدر الإمكان كي أنقل بأمانة قصوى أسلوب اسكندر في التعبير لا مضمون كلامه فحسب. قد تبدو الجمل قصيرة وغير مكتملة أحيانا وذلك لأنها كانت كذلك في النص الأصلي، لم أقم بالتعديل إلا في الحالات التي رأيت فيها ضرورة لفهم المعنى وقمت عندها بوضع ما أضفته بين قوسين مثلثين <>. كما أنني قمت بتعديل بعض الأخطاء التي وردت في أسماء الأعلام العربية لأنه من الواضح ان الخطأ من الكاتب وليس من اسكندر نفسه مثل تعديل بقعا إلى باقة أو ربيع أبو حاري إلى ربيع بخاري. في بعض الأحيان قمت بتجاهل بعض قواعد النحو والصرف فالنسبة إلى يافا اصبحت يافاوي وليس يافيّ وأضفت ال التعريف على أسماء العلم مثل التخنيون.

تنويه: حقوق النشر للنص الأصلي بالعبرية تعود إلى غيورا أوريان صاحب مدونة ذبابة على الحائط وقد نشر بتاريخ 25 آب أغسطس 2006. أنشر الترجمة العربية تحت بند الاستخدام العادل فهو نص عليه حقوق ملكية فكرية. شخصيا أتنازل عن حقوقي بالترجمة العربية لكن هنالك حقوق لمؤلف النص العبري مما اقتضي التنويه.

مع المخرج السينمائي اليافاوي اسكندر قبطي عن تهويد يافا.

"لا يستطيع أيّ منّا أن ينفي أي شيء، لأننا لا نستطيع أن نضع أنفسنا مكان الآخرين. وهو الأمر المفروض <أن نفعله> قبل أن نحكم، نعمم على، وننفي شرعية شعب بأكمله"، يطرح اسكندر قبطي منطلقه في فهمه لعالمه. إن كل وقت وطاقة المخرج اليافاوي قبطي (30) منصبّة في الفيلم الذي ألفه وينوي إخراجه وتصويره مع شريكه يرون شاني: "غصون". تصوير الفيلم سيبدأ في الشتاء القادم والهدف هي توزيعه للعرض عام 2008. "مع كتابة السيناريو والتحضيرات استغرق عمل الفيلم ما بين خمس إلى سبع سنوات، وهذه هي المدة الاعتيادية في أيامنا. خاصة عند انعدام المال لأي أمر في البلاد"، يشرح قبطي، الذي يرفض كشف محتوى الفيلم، عدا أن في السيناريو سبع قصص، تحدث في <حي> العجمي بيافا، تتاقطع في نقاط معينة وذات نهاية مشتركة. بعد أن نتماهى مع البطل الماثل أمامنا، سيهمله المخرجان لصالح شخصية أخرى لدرجة أن المشاهدين لن يعرفوا الأخيار من الأشرار وسيفهمون أن الواقع هو قضية وجهة نظر ليس إلا" يشرح قبطي، الذي يزعم أنه بعكس السائد، ليس الحديث عن قصة أخرى عن الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني أو عن الفلسطينيين في الضفة <الغربية> النائية. "لدينا هنا قصة عن يافا، الموجودة ببعد بصقة عن تل أبيب ومع ذلك هي عالم لا يعرفه أحد رغم قربه الشديد. القصة عن هويات مختلفة عند العرب ووجهات نظر متباينة عن الحياة في يافا".

يافاتي
في يافا الآن نهضة تطويرية لم نرها من قبل. أحد جوانبها كشف موردها السياحي، <الذي> هو ماضيها. ماضي <يافا> بالنسبة لوزارة السياحة يعود إلى المشاهد الرومانسية القديمة لمدينة ساحلية عتيقة، منها خرج بحسب التوراة النبي يونان في رحلته إلى مدينة نينوى. التصور السياحي يربط حاضر مدينة تل أبيب وربما مستقبلها أيضا مع ماضيها اليهودي القديم، خالقًا مدينة يهودية بعمر ألفي عام. بينما الماضي <بالنسبة> لقبطي أقرب زمنيًا، أقل رومانسيةً مما تعرضه وزارة السياحة بل إنه <ماض> ترغب بكبته وبحجبه <عن الأنظار>. ولد قبطي في حي العجمي في يافا. والده نجار فنان يقطن في يافا منذ أجيال. والدته، التي تشغل المنصب الرفيع مديرة المدرسة الديموقراطية في المدينة، جاءت من عائلة يافاوية انتقلت إلى حيفا وتقطن اليوم في الرملة. درس اسكندر في صباه في المدرسة الفرنسية في يافا، "مدرسة مجنونة، بدأنا 120 تلميذا في الصف الأول وتخرجت منه في صف <مكون> من ثلاثة تلاميذ". تعلم لمدة قصيرة <موضوع> الهندسة الميكانيكية في التخنيون بحيفا، ترك <التعليم> وانتهى به الأمر إلى <دراسة> السينما.

ما هي يافا بنظرك؟
إنها البيت، التاريخ. الانتماء لأمر لم يبق منه الكثير لكننا رغم ذلك بقينا. <إنها> الحنين إلى أمر لا أعرفه، إلى التاريخ الذي قرأته أو <إلى> قصص جدتي التي قصّتها عليّ وأحن إليها رغم أنني لم أخبرها <بنفسي>. إنني لا أعيد تلك <الأمور> في فيلمي، بل أحضر الواقع كما هو الآن وهو <واقع> فاتن ومدهش. يافا هي مكان يصعب فهمه، مكان معقّد، أنا نفسي لا أقوى على فهم كل هذا الاختلاف و<كل هذا> الاغتراب بين الناس، رغم أنهم ينتمون إلى نفس الشيء في ظاهر الأمر. ألا يسمونها "يافا أم الغريب". والناس حقا غرباء فيما بينهم. يكاد لا يوحدّهم شيء. هنالك محاولات عديدة للتوحيد، لكن هذا إطفاء حرائق <ليس إلا>. المشاكل عديدة لدرجة أنك لا تعلم لأي حريق تركض بدلوك لتضيع المياه القليلة <التي بحوزتك>. رغم أنه في السنوات الأخيرة تلاحظ نية حسنة، لا زال الشعور أن الجميع ضدنا. إن زرع عشب في حي ما، يخلق لدينا الخوف، إنك لا تستمتع به بل تتساءل لِمَ يزرعون عشبا، أسيجلبون سكانا أغنياء من شمال <تل أبيب> ليسكنوهم هنا؟ بدأوا بتوزيع مخالفات على السيارات التي تُوقَف في نفس المكان منذ ثلاثين عاما. أنت غريب في بيتك. حين كنت صبيا رأيت شخصا يكسر محطة الباص دون سبب في الليل، سألته لماذا، أجابني أنه "يكسر <محطتهم>". هنالك شعور أن كل هذا ليس لنا. نحن هنا لكنهم يتمنون التخلص منا. لا ينبع الشعور من فراغ، إذ إنك تستيقظ صباحا وترى أن كل الطرق المؤدية إلى "مركز بيرس للسلام" مرمّمة ونصف متر منها كل شيء خرب، لا أرصفة ولا أحد يهتم بك. لم يعد ذلك <مجرد> شعور بل حقائق. في العشرين عاما الأخيرة أغلب السكان العرب بُعثِروا من حي عجمي إلى جادّة أورشليم. رغم وجود نقص صارخ في الشقق <المخصصة> للأزواج الشابة، قامت البلدية ببناء الشقق شرقي يافا حيث الأراضي أرخص. كل خط الساحل في العجمي مليء بأغنياء جاؤوا من هنا وهناك. السكان المحليون يشعرون بأنهم غير مرغوب فيهم مما يؤدي إلى الكثير من الغضب واللامبالاة، <وإلى> الاكتفاء بالبقاء. في الثمانينات، لأن البلدية لم تكن تقوم بتنظيف يافا، قمنا بتنظيم مخيم عمل <تطوعي> للتنظيف وكل يافا اشتركت فيه. <لمدة> أسبوعين كاملين كنت ننظف يافا من كل القمامة. اليوم لن تنجح بالقيام
بمشروع كهذا.

يسيطر على المدينة عمليّا المقاولون. <جغرافيّا> يافا هي درّة، مع بحر ومناظر <جميلة>، مع مساحات تمكن البناء قرب البحر ولذا يبنون هناك - ليس من أجلك ولا أيضا من أجلي، لكن من أجل من يملك القدرة على دفع الثمن.
لكن كل هذا على حساب من لا يقوى على السكن في مكان آخر. العرب لن يستطيعوا السكن في تل أبيب ولا حتى في بات يام. ليس لهم أيضا كنائس ومدارس في تل أبيب. سيضطرون للتكلم بالعبرية مثلما يحدث اليوم. هنالك عشرون ألف عربي يقطنون <مسيرة> دقيقة عن تل أبيب، نصف العرب يعملون في تل أبيب لكنك لا تسمع العربية في تل أبيب لا في المقاهي ولا المطاعم.

يافا هي غيتو يسجنكم؟
ليس بالنسبة لي. أنا مختال بعض الشيء بعروبتي وبفلسطينيتي - كذا أنا، شئتم أم أبيتم وإن أبيتم - <فالخسارة> خسارتكم. لكن من المؤكد أن ذلك يسجن الناس. لا يمكنك أن تكون مجرد سائق شاحنة دون أن تقوم بالخدمة العسكرية. ولم نتكلم عن إيجاد شقة للسكن في تل أبيب. الناس لا يعلمون <اليوم> أن يافا كانت عاصمة فلسطين الثقافية، اليوم هي <مجرد> ضاحية في تل أبيب <تتوجه إليها> لتغميس الحمص. كان هنا كل شيء - عشر صحف يومية، ثماني دور للسينما، مسرح، إذاعة قامت أم كلثوم بتسجيل <أغانيها> فيها. من <أصل> ثمانين ألف نسمة بقي فيها ثلاثة آلاف <نسمة> لا يملكون شيئا، بعدما كانوا سادة أنفسهم. لقد خبروا الصدمة. الشبان أبناء جيلي رفعوا أيديهم <استسلاما> لأجل البقاء، يتزوجون باكرا في جيل العشرين كي لا يتقدموا بحياتهم. هذه <خلاصة> طموح جزء كبير منهم.

أما من أمر يثير أملكم؟
الأشخاص الذين لم يجدوا في الماضي ما يتعلقون به ليتفاخروا بكونهم عرب، يقولون اليوم زيدان عربي. إننا نشجع فرنسا بسبب زيدان. نبحث عن عرب ناجحين نفخر بهم. هنالك اليوم بعض المبادرات لتحسين الوضع في يافا، تفتتح إطارات تربوية، فرق مسرحية لتحسين وضع الشبيبة. تفتتح مدارس، ليست تابعة للكنيسة - في الماضي كان التعليم الديكتاتوري المسيحي في مدارسهم، الذي يعلمك كم الأوروبيون أكثر تنويرا منك ويعلمونك الفرنسية والإنجليزية الاسكتلندية و<كانت> هذه الثقافة التي عليك تقبّلها، لأن ما لديك لا يسوى شيئا، أو مدارس حكومية <عربية> التي في نهاية الأمر حتى البجروت لن تحصّله فيها، أو المدارس اليهودية التي قد تنجح فيها بأمر ما لكنك ستفقد لغتك، هويتك وثقافتك. اليوم افتتحت في يافا المدارس الديموقراطية، الأرثذوكسية والحكومية التي يديرها أشخاص يهمهم أمر يافا ويعيدوننا إلى ثقافتنا وهويتنا. إنها مدارس جيدة تهتم بنجاح تلاميذها وحصولهم على نتائج جيدة، مما يشجعنا ويخلق هوية ويوحدنا من جديد حول هويتنا الفلسطينية. هذا أمر مستحب لأنه يبني من جديد المجتمع الذي تفتت، حينما انعدمت تماما البنية الاجتماعية العربية في البلاد، ولكن <بقيت البنيتين> الحمائلية والعائلية. لاحظت الأمر في الانتخابات المحلية قبل عشرة أعوام. اليوم فإن هذا <الأمر> آخذ في التلاشي، إننا نتوحد من جديد حول هويتنا القومية وهذه خطوة رائعة <عندما> بدأت مع عزمي بشارة <كانت> صعبة المنال، ضحك الأشخاص على أقواله. اليوم نرى دعما من رجال الدين من الجهتين، عطا الله حنا الناطق بلسان الكنيسة الأرثذوكسية والحركة الإسلامية، التي لم تهمل الدين لكن هنالك توجه قومي فيها.

ما أهم مكونات هويتك؟
مثل أي هوية أخرى في العالم، مُحيَت عمدًا، بدأوا يطلقون علينا اسم "عربي-إسرائيلي"، بهدف قطع <علاقتنا> بالبلاد، أنت عربي- لكن إسرائيلي، لأنه إن كنت "عربيًّا-فلسطينيًّا"، فهل <يعني ذلك أنّ> يافا في فلسطين؟ لكن الهوية ليست أمرا يمكن التلاعب به، إنك تولد معها مثل الهوية الجنسية، لا تختارها، <على ما يعني ذلك من> الإيجابيات والسلبيات، لا يمكنك التنكر لها، ولدتَ فلسطينيا وما العمل، ربما يفضل أن تولد سويديا، لكن هذا ما عليك تقبّله ومحاولة تحسين ذاتك والمضي قدما في حياتك في إطار هذه الهوية وألا تهملها. لأن هذا ما حصل بسبب اللامبالاة فتفتت مجتمعنا كليّة من كل النواحي. اليوم يمكن القول المجتمع الفلسطيني داخل إسرائيل، يمكن استخدام هذا المصطلح وهو أمر مشجع.

قوتي وقوة كاميرتي الصغيرة
من أجل العثور على ممثلين لفيلمهم الحالي، أقام قبطي وشاني ورشات تمثيل في يافا لاكتشاف ممثلين ممكنين من سكان يافا. اشترك في الورشات حوالي مائتي شخص ما بين سن الـ13 إلى 35، مقسمين إلى مجموعات من 25 شخصا. الاشتراك مجاني ومن بين هؤلاء سيتم اختيار ممثلي الفيلم. "اخترنا العمل مع أشخاص ليسوا ممثلين <محترفين> ولم يتعلموا التمثيل في حياتهم، لأن السيناريو عن الأمور الحقيقية في يافا ويهمنا الصدق في القصة وفي اللهجة اليافاوية. سيتم التصوير دون أن يعلموا عم <يتحدث> الفيلم وسيتفاجؤون بالقصة المتغيرة باستمرار"، يكشف قبطي أسلوب عمله "لا يعرف كل ممثل إلا ما تعرفه شخصيته وحتى هذا يكتشفه خلال العمل. نقوم بتصوير الفيلم بحسب التسلسل الزمني. لن يعرف ما سيحدث في الأوضاع المختلفة وسيتجاوب مع <الأحداث> كما <لو أنها تحدث> في الحياة الحقيقية، ردود فعل طبيعية".

إن اسكندر متعدد المواهب: <سبق و>كتب، أخرج ومثّل في مسرحية من ممثل واحد <بعنوان> "وأخيرًا" في مهرجان تسبيس. فيلمه القصير"الحقيقة" الذي كتبه وأخرجه لأجل المهرجان الدولي لأفلام الطلبة، عرض في مهرجانات دولية وكان موضوعا لمحاضرات أكاديمية في جامعة تل أبيب، مركز فان لير، جامعة شيكاغو وغيرها. شغل اسكندر مختلف الوظائف في إنتاجات سينمائية وتلفزيونية، مساعد مخرج في "العروس السورية"، "الشاحنة"، "كولولوش". للتلفزيون أخرج وحرّر <فيديو> كليب أغنية المعنية زهافا بن "كل الحدود مفتوحة". إنه مخرج ومحرر مجلة فيديو للشبيبة صورت في يافا، طولكرم، تل أبيب ومونتونا (إيطاليا) بمساعدة مراهقين فلسطينيين وإسرائيليين، وعرضت في سينماتك تل أبيب وستعرض في مهرجان الأفلام أومبرييه في آب/أغسطس 2006. اسكندر عضو في جمعية أيام، الهادفة إلى إقامة حوار علني، متعدد الثقافات وبواسطته كشف، توثيق وطرح أهمية رواية <الشرائح> السكانية المختلفة غير المروية ومختلف مصادر السرد التاريخي. إن المحك الأول لهذه الجمعية هو مدينة يافا.

حين ترك قبطي دراسته في التخنيون، توجهوا إليه من مهرجان الأفلام الدولي للطلبة الأستراليين وعرضوا عليه عمل فيلم عن يافا. "حتئذ درست السينما والتمثيل وقمت بأمور صغيرة فحسب بادرت إليها بنفسي. قمت بعمل فيلم قصير مدته 12 دقيقة بعنوان الحقيقة، مع صديقي الحميم ربيع بخاري، أثار بعض الضجة. صورناه في خمسة مواقع متماهية مع يافا، مثل المنارة، المقبرة الإسلامية، المزبلة، المبنى المهجور في شارع غزة حيث يبنون كلية الآن. اخترعنا قصصا وهمية لا يمكن تصديقها عن مؤامرات. مثلا عن المبنى المهجور في القصة الأولى، يروي ربيع أن اليهود عمليا يبنون هيكلهم فيه، لأنهم قرروا التخلي عن القدس ومنحها للعرب. بينما أقوم بالادعاء، بما أنني مهندس ميكانيكي يفقه بالأمر، أنهم بنوه من المعادن والبراغي وفي <جنح> الليل سوف ينقلونه ويضعونه فوق المسجد الأقصى.

أفلام كهذه تحرض وتثير الشغب، يحرضون مرة أخرى على اليهود <لكونهم> مسممي آبار.
نعم، لكنه مضحك ويأتي نقيضا لأشخاص مثل إيهود يعاري مثلا. أشاهده على التلفزيون ويثار جنوني. إن جمله مثل "الطحينة التي يضعونها على الفلافل" ثم يقصفك باسم عربي بالحاء والعين - يتكلم ترهات لكنه يبنيها <بتسلسل> منطقي. هذا ما قمنا به، مجموعة من الترهات بنينا منها منطقا ما وللشخص الساذج - مثل كل إسرائيلي يجلس أمام التلفزيون لمشاهدة إيهود يعاري - فإن الأمر يبدو منطقيا.

هنالك فرق بين عرض العبثية، مما بيبّن العبثية وبين عرض، مثلا عربا يزيلون حجارة حائط المبكى ليبنوا منها مسجدا. لذلك تأثير قد لا يكون مرغوبا.
نعم، بالطبع. التأثير غير مرغوب به. إنه مضحك لكن التأثير غير مرغوب به. لا يشاهد أي فلسطيني أخبار القنوات الإسرائيلية، لأنها تستفزه وتضايقه. قرأت في هآرتس أن الشرطة قتلت شابا بعمر 24 <عاما> من باقة في بردس حانا. في السنوات الخمس الأخيرة أطلقت الشرطة النار وقتلت خمسا وثلاثون عربيا. قلة من الأشخاص تعرف ذلك. لقد اشتبهوا أن السيارة مسروقة لأنه لم يتوقف <عندما أمروه>، وفي النهاية تبين أن السيارة كانت ملكه. قرأت التعقيبات في <مواقع> الإنترنت ودهشت. غالبية <الناس> تكلمت بحقد وهؤلاء قراء هآرتس. حتى في التعقيبات على الأرصاد الجوية يكتب الناس بحقد بسبب ذكر نابلس والرملة فيها. إنها الأرصاد الجوية ليس إلا، ما بكم؟

على فيلم "جنين، جنين" اعترض حتى اليسار، الذي يحارب إلى جانب العرب على حقوقهم، ضد تشويه الواقع وخلق استفزاز وكراهية.
كل ذلك ينفر الناس. فيلمي أيضا عرض في السينماتك والأشخاص ضحكوا واستمتعوا، حتى نهاية الفيلم حين تنتهي الموسيقى، <وتظهر> شاشة سوداء ونقوم بإهدائه إلى شهداء مجزرة جنين. لم يصفق الناس وقامت الرقابة بحذفه عند عرضه في القناة الثامنة. أهدينا الفيلم إلى عم ربيع شريكي في الفيلم الذي هدم بيته حينها. لست مؤرخا ولم أكن في جنين وقتها. لا أعلم ما حدث هناك. لكن سئمت من ذوي النفوذ الذين يقررون عني وعن الآخرين ما هي الحقيقة وما ليست <الحقيقة>. لقد مُنِحت قوةً، هي العرض في السينماتك والمهرجانات العالمية وقلت <لنفسي> سوف آخذ وجهة النظر هذه وأقوم بما أشاء وأبيّن أن بإمكان أي كان أن يشوه الحقيقة ويقرر ما الحقيقة وما ليس <الحقيقة>. الفيلم يبرز عبثية وجود سردية واحدة صحيحة تنفي كل ما يوازيها أو يقاطعها وتحتكر الإنسانية، العدل والحقيقة. بينت أنني أيضا أستطيع أخذ كاميراتي الصغيرة وعمل ذلك.

أن تقوم غدا صباحا مع نغمة جديدة بقلبك
قبطي شاب وسيم، ثيابه بسيطة على الموضة، شعره مقصوص حتى جذوره وتزين ذقنه لحية صغيرة أنيقة، تمنحه منظر مثقف وبوهيمي أوروبي. إنه شريك رائع للجدال الفلسفي حول كينونة الإنسان، الأخلاق، يحب التساؤل وطرح الأسئلة ويصيغ كلامه بهدوء ووضوح ثاقب.

ما هي "دولة إسرائيل" بالنسبة لشخص يدعي أنه لا يحكم على الآخرين ويجيد تعريف نفسه؟
إنها دولة قامت على خراب الآخر، حتى لو كان لها شرعية للتواجد بحسب رأيي ورأي كل العرب القاطنين ههنا، فإنها تصرفاتها غير منصفة. لدي مشاكل عديدة مع تعريفاتها <لذاتها>، تربيتها، الديموقراطية اليهودية خطرة تذكّر بأمور تاريخية مظلمة وتخيف بالنسبة لما يمكن أن يحدث لي ولأمثالي هنا.

لأي شيء كنت تريد أن تستيقظ في الصباح؟
أن لا يقوم سواق سيارة الأجرة التي تأتي لإقلالي بالقول لي "ألا تكرههم؟ كيف تحيى هنا معهم؟، لأنني أبدو له يهوديا، بل أن يقول لي صباح الخير فحسب. لا يقابلون في <نشرات> الأخبار أعضاء كنيست عربا، هنالك مقاطعة على أعضاء كنيست معينين. أحمد طيبي؟ صحيح أنهم يحبونه لكنه سطحي جدا، يجيد الصياح، التكلم وربح المال من وراء ذلك. إنه لا يبيّن مشاكلنا الحقيقية. متى شاهدت جمال زحالقة في التلفزيون؟ عزمي بشارة بعد محاكمته؟ كي يصل إلى الجمهور العربي فإنه يقوم بمقابلات على الجزيرة. العربي هنا هو من يأكلون لديه الحمص وإن قام بمظاهرة لأنه لا يلائمه قتل 13 مواطنا، يقومون بمقاطعة الحمص <الذي يصنعه>. هوذا الاحتلال. حتى الحمص قاموا باحتلاله. "حمص أحلى" أهو إسرائيلي؟ إن هذا الوعظ مقصود لأنك لا تستطيع أن تقتل العرب إن كنت تحبهم. لذا تقوم بتربية أولادك على أن العرب عدوك. منذ النكبة يتم تنفيذ تطهير إثني متواصل وقانوني. يسمونه "التمييز محدود المدى" ضد التهديد الديموغرافي. لا يعترض عليه أحد حتى في اليسار المتنور. في محكمة العدل العليا أصدروا قرارا ضد فلسطيني مواطن دولة <إسرائيل> أراد لم شمله مع زوجته من الضفة <الغربية> رغن أن ذلك يتناقض وقانون حقوق الإنسان. القاضي كتب فيه من واجبنا القيام بـ"تمييز محدود المدى". أي، من واجبنا تطهير الفلسطينيين من هنا للحفاظ على الديموقراطية اليهودية. لا يسأل أحد عما يحدث مع غير اليهود؟ إنني قلق وخائف على نفسي عائلتي فقط. الناس تتقبلك عندما تكون شبيها بهم. سيتقبلونك العربي عندما يغير اسمه من محمد إلى مومي. يريدونك أن تكون مثلهم عندها سيحبونك. مما يؤدي إلى عملية أسرلة، لا تتكلم العربية كي يقول حارس الديسكوتيك بإدخالك.

هذه الحسناء يافا، التي ينسب أحد معاني اسمها إلى كسيوبيا أم أندروميدا الحسناء الميثولوجية، احتلت مرات عديدة في التاريخ وفتحتها شعوب كثيرة: من المصريين أيام تحتمس الثالث، سبط دان، داود الملك والملك سليمان، الأشوريون، الإمبراطورية الفارسية، قطنها الفلسطيون، الفينيقيون، الروم الذين فقدوها للمسلمين، الذين فقدوها للصليبيين، للإمبراطورية العثمانية، لنابليون، للمصريين وللانتداب البريطاني. في بداية القرن الماضي سيطرت عليها مصر وسكن فيها من أبناء جميع الأديان متعايشين. قبل مائة عام كان تعداد سكانها ضعف تعداد سكان تل أبيب وكانت خالية من اليهود. حسب خطة التقسيم كانت تابعة للدولة اليهودية، لكن بسبب <وجود> السكان العرب أضحت بؤرة عربية في منطقة يهودية. تحولت المدينة إلى ميدان حرب بين اليهود والعرب، لكنها كانت محاطة بمستوطنات يهودية وبعد سقوطها بقي فيها 3،500 نسمة من أصل 55،000 جلّهم من قليلي الدخل.

بدلا من الخاتمة
وجدت بالصدفة هذا الفيديو في يوتيوب وهو على ما يبدو من إنتاج بلدية تل أبيب بمناسبة 100 عام على تأسيسها. الفيديو يتحدث عن تاريخ يافا من وجهة نظر صهيونية تقليدية يبدأ تاريخها برحلة يونان وينتهي بعلاقتها بالمهاجرين اليهود، لا يتم ذكر العرب فيه بتاتا وقد تم طرح هذه المسألة في النص أعلاه قبل 4 أعوام من إنتاج هذا الفيديو، إنه المثال الحي والنقيض ليافا كما تبدو في عجمي إنها يافا الحمص كما يراها اهل تل أبيب. الفيلم بالعبرية ولم أجد منه نسخة مترجمة ، هل من متبرع لترجمته؟

Monday, October 19, 2009

كان موطني

في الأيام الأخيرة اتهمت عدة أوساط فتحاوية وسلطةفلسطينية قناة الجزيرة القطرية بالمساس بقيمة وطنية والاستهانة بدماء الشهداء وتضحيات الشعب وذلك على خلفية بث قناة الجزيرة قبل مدة في برنامج بلا حدود "نصا محرفا" للنشيد الوطني العراقي . نعم النشيد العراقي وليس الفلسطيني ... يبدو أن قادة الشعب الفلسطيني نسوا ما هو النشيد الوطني الفلسطيني الرسمي (أو ربما تناسوه) أما عن المساس بالنشيد فمشاهد المقطع يعلم أن من تم المساس بهم هم من يدعون قيادة الثورة الفلسطينية (من فتح وحماس) فاتهموا بالفساد وووضع أهداف أخرى غير المصلحة الوطنية الفلسطينية نصب عينيهم.

الغريب أننا لم نسمع اعتراضا من فئات حمساوية وهو إما لعدم إصابتهم بالغباء الكلي المستفحل لدى قياديي الفصيل المنافس الذين ساهموا في إلقاء الضوء على هذا المقطع وساعدوا في انتشاره أكثر أو بسبب علاقة فصيلهم بالنظام القطري (والله أعلم). على كل حالف فإهانة دم الشهداء لم تكن ببث مقطع يسخر من القيادة الفلسطينية وينتقدها بشكل مبطن (وشر البلية ما يضحك) ولكن بفضيحة تأجيل النقاش على تقرير جولدستون التي تم تداركها بسبب الغضب الشعبي الهادر الذي لم يتوقعه قادة سلطة دايتون (كما يحب للبعض تسميتها)... ولولا الرد الشعبي غير المتواني لما تم إقراره في جلسة طارئة لمجلس حقوق الإنسان.

على كل أقترح على "قادة الثورة الفلسطينية" أن يهتموا بأمور أخطر مثل تجميد الاستيطان الذي لم يكن أبدا وشجبها أم أنهم يهابون التعرض لمثل هذه الأمور حتى ولو كانت مجرد ضريبة كلامية.

Friday, October 2, 2009

كلام يبحث عن طعم

مرت في أيلول أيام ذكرى عديدة رغبت في الكتابة عنها (ما ألبث أن أرغب عن الكتابة فيها) كذكرى أيلول الأسود- الذي كشفت صحيفة هآرتس مؤخرا عن وثائق جديدة عنه (بطبعتيها العبرية والإنجليزية) تفيد بحجم التواطؤ العربي والتنسيق الأمريكي الإسرائيلي- وذكرى وفاة عبد الناصر، فرغم عدم انبهاري من مشروعه - الذي وصفه سمير أمين بأنه مشروع برجوازي غير ثوري معتبرا أن سياسة السادات لم تكن انقلابا عليه بل مجرد امتداد طبيعي له فلا ننسى أن عبد الناصر قبل بمبادرة روجرز في نفس الوقت الذي كان يتغنى به بلاءات الخرطوم - لكنه يبق قائدا مقارنة بالدمى التي نصر أن نسميها زعماء رغم أنه تعجز أن تحرك إصبعها دون أمر ذلك الممسك بأطراف الخيوط الخفية. كما أنني لست من هؤلاء الليبراليين الذين يدّعون أن فترة حكم عبد الناصر قطعت تجربة ديموقراطية منذ عهد الملوكية إلى عهد محمد نجيب (تتجلى هذه النزعة في رواية عمارة يعقوبيان - ولا أدري عن الفيلم الذي لم أشاهده)... متناسين أن ديموقراطيتهم الجوفاء لم تشمل سوى أرستقراطية القاهرة (والإسكندرية) وبعضا من برجوازيتها في وقت كان غالبية المصريين فيه أقنان "طاوين الأحشاء على الطوى". فلولا الإصلاح الزراعي (على آفاته الجمة) ولولا انتشار التعليم في الأرياف ولدى لبقي معظم الشعب المصري يعيش في العصور الوسطى (وقد أحسن يوسف إدريس بتصوير ذلك برمزية في قصة الطرفة وخاتمة رواية الحرام).

كاريكاتير لصلاح جاهين يصور وضعنا المأساوي: أصبحنا نشتاق لأيام عبد الناصر


لكن ما نجه بدفني للكتابة أخيرا هو مرور ذكرى "هبة أكتوبر" (تسمية اخترعت لإعادة رسم خط أخضر محته أول أيام تشرين في آخر سنة من الألفية الثانية) فتم الإضراب (لأول مرة منذ فترة طويلة) وكانت مظاهرة "جبارة" في عرابة حضرها ستون ألف إنسان (بحسب تقديرات المنظمين المتفائلة). فقد شكل الإضراب العام مطلبا رسميا من بعض الأحزاب ولجنة ذوي الشهداء منذ سنوات ولم يجهضه سوى رفض الجبهة له، ولا أدري سبب تغيير الموقف (وهل له علاقة بالنسب المزعوم بين سكرتارية الجبهة القطرية ورئاسة لجنة ذوي الشهداء) على أي حال فقد شهدت أبواق كافة الأحزاب بنجاح الإضراب والمظاهرة وليس الإجماع سوى تأكيد لهذه "الحقيقة الساطعة".

الإضراب وسيلة نضالية يستخدمها العمال لمطالبة أرباب المصانع بحقوقهم وهي وسيلة قديمة (أول إضراب موثق حصل في مصر الفرعونية) تستخدم كآلية ضغط لتحسين الأوضاع لكنها لوحد الإضراب وحده لا يعني شيئا ما دام لم يؤدي إلى تحسين موقفك بالمفاوضات. قولي لي بالله عليكم على من ضغطنا بإضرابنا لبضع عشر ساعات وهل أصلا يمكن تصنيف ما حدث إضرابا؟ كيف ضغطنا على الحكومة الإسرائيلية بإغلاقنا المؤسسات الخدماتية العربية أمام المواطن العربي؟ هل حقا التزم العرب العاملين بشركات ومصانع غير عربية بالإضراب؟ هل أدى "الإضراب" إلى نتائج عملية؟ هل نجحنا بطرح قضايانا أمام الرأي العام الإسرائيلي؟ هل أصلا حصلنا على تغطية إعلامية لما حدث؟ ما كان لم يكن إضرابا بل يوم حداد لذكرى أحداث حزينة ولا علاقة له البتة بالنضال الشعبي. كذلك الأمر بالنسبة للمظاهرة فما الغاية من التظاهر في مناطق سكنانا وما الفرق بين قيام مظاهرة في عرابة (أو الناصرة أو أم الفحم أو أي بلدة عربية أخرى) وبين أن نطلب من كل مواطن أن يتظاهر في غرفة نومه على حدة؟ ما دام الأمر لا يحصل على تغطية إعلامية تطرح قضايانا أمام الرأي العام... نجاح المظاهرة هو قيامنا بملئ إحدى ساحات تل أبيب بمائة ألف متظاهر على الأقل (يفضل أن يكون الرقم أقرب إلى المائتين) لنظهرجديتنا امام صناع القرار... كل ما عدا ذلك لا يدخل حتى في إطار النضال.

اليوم ذكرى ميلاد موهنداس كريشمند غاندي الذي أبهر العالم بقيادته حركة تحرير للهند (بل لشبه الجزيرة الهندية) بأساليب سلمية. ولننس لبرهة أن تحريره للهند جاء في ظرف تاريخي أفلست فيه الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس مما جعل قادتها يقررون التخلي عن المستعمرات (لذا فتحرير الهند كان سيتم حتى دون حركته اللاعنفية لكنه كان سيكون آجلا وليس عاجلا) ولننس فشله باحتواء الخلافات الطائفية/الإثنية رغم شخصيته الكاريزماتية مما ادى إلى استقلال منفصل لباكستان وبانغلادش. يبقى تراث غاندي إلهاما لأي حركة عصيان مدني فلنتعلم من تجربته.
حتى نعتبر أي عملية عصيان مدنيا يجب أن تكون عصيانا أي أن تعصي إرادة الحاكم، واليوم فالحكومة الإسرائيلية تخلصت من أساليب الحكم العسكري واستعاضت عن رغبتها بالتحكم المباشر بكل فرد باحتوائها للحركة الشعبية وتهميشها في النطاق الإسرائيلي. الإضراب لذلك فقد غايته وكذلك المظاهرات... نضالنا يجب أن يكون ذا تأثير على كرسي الحاكم أو على الرأي العام الإسرائيلي وهو ما لم نفعله بتاتا. فحتى مقاطعتنا شبه الكاملة للانتخابات الرئاسية لم تؤثر في نتيجتها أو في تعامل قادة الأحزاب الصهيونية معنا ولم تترك أي أثر فينا نحن (من يذكر أصلا أننا قاطعنا الانتخابات) صديق لي اعتبر مجرد نجاح المقاطعة إنجازا رغم انعدام أي مربح لنا منها (أحييه على روحه الرياضية ولعله استلهم نظريته من عالم الرياضة إذ أنه يعتبر أن مجرد مشاركته باللعبة إنجاز حتى لو خسر100-صفر).

لا أدعي حيازتي على الأجوبة ولا أدعي حتى أنني أعتبر تدوينتي هذه جديرة بالقراءة فقد أردت أن أقول بها كل شيء دفعة واحدة. لكن رجاء لا تحولوا هزائمنا إلى انتصارات، النضال ليس فعلا آنيا بل مسيرة طويلة ومتكاملة لا تنقطع سوى بإحراز المطالب وليست فعاليات منقطعة عن أي سياق نقوم بها لإرضاء ذاتنا مدعية الوطنية. حالنا ليس بخير بل هو أشبه بحال الرجل الذي نجا من خوف فيل هائج إلى بئر فتدلى فيها متعلقا بغصنين ثم نظر فإذا في قاع البئر تنين فاتح فاه منتظر له ليقع فيأخذه؛ فرفع بصره إلى الغصنين فإذا في أصلهما جرذان أسود وأبيض، وهما يقرضان الغصنين دائبين لا يفتران، فبينما هو في النظر لأمره والاهتمام لنفسه، إذا أبصر قريباً منه كوارةً فيها عسل نحلٍ؛ فذاق العسل، فشغلته حلاوته وألهته لذته عن الفكرة في شيءٍ من أمره، وأن يلتمس الخلاص لنفسه.

Wednesday, August 12, 2009


تحل قي ١٢ آب ذكرى مجزرة تل الزعتر، لنتذكر الضحايا. النص التالي مأخود من كتاب "يوميات طبيب في تل الزعتر" من تأليف يوسف عراقي. أورده هنا قي إطار الاستخدام العادل كما أنصح الجميع بمحاولة الحصول على هذا الكتاب وقراءته.

11 آب

ويبدأ القصف من جديد ... وصوت المدافع والقذائف .. اصبح امرا عاديا .. فلا صباح في التل .. بدون قذائف كأنما صياح الديك الذي يعلن انبلاج الصبح ... كان ادهم نائب المسؤول العسكري قد غادر المخيم ... مع الدفعة الثالثة من الجرحى متخفيا .. بالرغم من اصابته بكسور في يده اليمنى ... خرج ليعطي القيادة المركزية تصورا دقيقا عن الوضع داخل المخيم ... كما ان مجموعة قد انطلقت قبل ايام مكونة من 4 مقاتلين عبر الجبال ... لتتصل بالقيادة في الجبل وتعطي تفاصيل عن اوضاع المخيم العسكرية والتموينية . واليوم الثاني يمر على المخيم ... بدون ماء مطلقا ... ومزيدا من الاطفال .. يذهبون .. الى العالم الاخر وهم ما عرفوا شيئا في عالمنا هذا غير البؤس والحصار والجوع .. والعطش ... وما ان انتصف النهار حتى مر بنا المسؤول السياسي وتحدثنا عن اخر الاخبار ... واخبرنا ... ان نحضر الى مقر القيادة حوالي الساعة الرابعة لاطلاعنا على خبر مهم . خرجنا وعبد العزيز .. وللمرة الثانية كان خروجنا يثير ... الكثير شجون الناس ... كان هناك تجمع بالقرب من الطوارئ ... جمهره من الاهالي يتحادثون فيما بينهم غير ايهين بالقذائف ... خرجنا ... والمرة الاولى التي كنا نتجه فيها شرقا الى مقر القيادة في التموين ... كنا نعبر الابنية ...

خلال الحيطان المثقوبة ... والناس ينظرون الينا بدهشة ... وتعجب ... كأنما قراؤا شيئا ، ذهب معنا نزار .. كنا نمر عبر الملاجئ ونسمع ... همسات النساء ... (( وين رايحين الدكاترة .. لعل هناك امرا ما )) .. وصلنا الى مبنى التموين في رأس الدكوانة ... وهي بناية محصنة تماما وتشبه البونكر ... تحت الارض ... محاط بأكياس من الرمل ... سألنا عن سلمان ... وقادنا احد المقاتلين الى مقره هناك جلسنا قليلا ... بعد ان تحدث معنا احد الصحافين الايطالين باللاسلكي.. من بيروت الغربية يسألنا عن حالة الاطفال ... وعن الجفاف ... والمعنويات .. وبعد قليل كان هناك حديث بين سلمان والقيادة ... كانت الساعة قاربت من السادسة مساء عندما اخبرنا سلمان ان هناك اتفاق على اخلاء النساء والاطفال .. بواسطة الصليب الاحمر الدولي وبأشراف قوات الامن العربية قد تم وان العلمية ستتم غدا صباحا في تمام التاسعة ... وهذا الاتفاق بالطبع لا يشمل المقاتلين والعسكرين .. جلسنا قليلا ... واذكر ... ان الحديث دار يومها .. على ان الوضع كان ممكن ان يكون غير ذلك ... لو كنا فقط ... مقاتلين ولكن وجود الاطفال .. اثر علينا كثيرا ولا بد من التفكير بانقاذهم اولا ... عدنا وعبد العزيز .. عبر الابنية ... المتهدمة وصلنا الى مقر الطوارئ لنجد الممر ضيق والناس متجمعين وكأن على رؤوسهم الطير .. كانوا ... ينتظرون خبرا .. في بادئ الامر ..لم نخبرهم بشي ... وبهدوء اخبرناهم ما سمعنا ... وكنا ننتظر اليوم التالي .. المقاتلين لن ينسحبوا قبل خروج اخر مدني من المخيم وكان همنا الاكبر هو كيف سننظم عملية اخلاء جرحانا وهذه هي مسؤوليتنا بالدرجة الاولي ... مر الوقت بطيئا تلك الليلة .. ان نبلغ الاهالي بذلك .. وكان علينا ان ننتظر ... في تلك الليلة حضر الينا ذيلمان وزوجته السوديان ... حتى يكونوا معنا في اليوم التالي لتدبير امرنا ... ولم تغمض لنا جفون في تلك الليلة .. كنا نعد لعدة لاخلاء ... الجرحى .. ولم نكن لنعرف اين ستتم عملية الاخلاء ... وكانت ليلة اخرى قمرية صافية الاديم هادئة ، خرجت اتمشى تلك الليلة في المخيم ... كما لو انني اودع هذا التل .. في الليلة الاخيرة .. اودع الشهداء الذين سقطوا دفاعا . وفي الصباح كنت انوي الذهاب الى المستشفى لاحضار بعض كتبي من هناك ... وفجأة بدأ قصف ليس ببعيد عنا ... وجاء محمود واحمد الممرضان لخبرانا انهم ... جاءوا ... من المستشفى ولم يستطيعوا الوصول لان الفاشين قد طوقوه وقتلوا كل من كانوا هناك ... الجرحى ... والاهالي الذين كانوا يستعملون قسما منه كملجئ .... وكنا ما زلنا في دوامة الاتفاق ... وطلقات الرصاص والقذائف تنطلق .. انها خدعة .. وليست اتفاق وتنشب معركة كبيرة عند مركز الطوارئ بين المقاتلين والمركز يكتظ بالجرحى ... والنساء والاطفال الذين حضروا للاحتماء.. عندنا ... ولكن وبينما كنا وعبد العزيز والممرضين نحاول ترتيب امر نقل الجرحى من المركز الى بناية مجاوروة واذا باعداد من مقاتلي الفاشين كانوا قد وصلوا لنا من جهة الشمال من محاور الدكوانة ... وطلبوا منا التقدم ... سرنا ومعنا جرحانا نحملهم على ما توفر من حمالات وابواب خشبية وتوجهنا بعد ان اخبرونا ان الصليب الاحمر ينتظرنا وكان خروجا الى الموت . كانت اعداد النساء والاطفال بدأت نخرج ... وكان الممر اجباري ... سرت والطبيب السويدي وزوجته وكان الممرضين يتبعونني وهم يحملون الجرحى ... واوقفنا اثنين من الفاشين ... الى الحائط بعد ان امروا جميع الممرضين والاطباء ان يقفوا الى الحائط ... وشعرت انها لحظاتنا الاخيرة يريدون ان يطلقوا النار علينا وفيما هم منشغلين في الحديث ، دعوت الممرضين الى التحرك بسرعة والاختفاء بين جموع ... الاهالي الخارجين .. واخبرت من كان حولي منهم بأن .. يقلع المريول الابيض وشارة الهلال والصليب ... لانني عرفت امرا يدبر للطاقم الطبي ... ولكننا لم نستطع تفادى الحواجز .. الكثيرة وبدأ الوضع يصبح ، اكثر خطورة كل ما تقدمنا .. والفاشيون يطلقون النار فوق رؤوسنا ... وبين ارجلنا وكانوا يفتشونا ويأخذون كل ما نحمل ... من ساعات ونقود ... حتى وصلنا طريقا اجبارية وكانت هناك اعداد كبيرة من المسلحين الفاشيست .... اوقفونا جميعا بعدما عرفوا انني الطبيب والمرضين معي … وحاولوا اطلاق النار علينا فورا جميعا … وفجأة ارى احد مقاتلي الفاشيست وقد تقدم نحوى ... ويناديني د . يوسف ... يوسف ... لقد تعرف علي واخذ يعرفني بنفسه وانا من هول ما اشاهد لم استطع النطق ... وذكرني بأنني اجريت له عملية جراحية وانقذته بينما كان في حالة خطره ... ذات يوم عندما احضر الى المستشفى قبل الحصار الاخير ، حاول انقاذي ولكن الفاشي الاخر كان يريد اطلاق النار وجرت مشاجرة بينهما وفجأه من الباب يبرز ... وجه مألوف .. انه الملازم راجح .... وهو من جيش التحرير الفلسطيني الذي كان داخل المخيم ... هرع الى .. وعانقني وحسم الموقف قدم نفسه على انه ضابط سوري .. حاولت جاهدا السعي لانقاذ الممرضين والجرحى ولكن دون جدوى ... قادوني الى مدخل الى البنايات حيث اجلسوني ... ليمر امامي الشريط ... المجزرة .... كنت اسمع اصوات والصيحات تنطلق ... من خلف البناية ... بعدها شاهدت الفاشين وقد اوقفوا الممرضين طابورا ... اثين اثين ... وامروهم بالسير الى الامام .. حيث لم استطع رؤيتهم ولن انسى نظرأت خالد ... ذلك الممرض المتطوع ... كانت عيناه تقول الكثير لي ... ولكني لم استطع عمل أي شي واحضروا الاطباء السويدين الى الداخل .... بعد قليل خرج احد الفاشين يحمل يحمل بندقية كبيرة وسمعت صليات كثيفة .. وصراخ .. وخيم بعدها الهدوء ... وكان هناك ممدوح وخالد وصبحي ... وبقية الممرضين ... وابقنت انهم اطلقوا عليهم النار ... جميعا ... مر شريط المجزرة امامي رهيبا ... كانوا يأخذون الاهالي جماعات ليطلقوا النار عليهم ... وكان احد الفاشين ضخم الجثة... وقد تعتعه السكر ... يحمل سكينا كبيرة ... ملطخة بالدماء ... ويأتي كل بضع دقائق ليمسح سكينة الملطخة بدماء الاهالي ... بقميص من كان يجلس ... عند الباب منهم ... لقد كان يذبح ... كما يذبحون الغنم .. وبعد يبدا التفتيش في جيوب الضحايا .. عن اشياء ... لقد كا منظر رهيبا وقذرا في لحظة تتجمد فيها العاطفة ... كانوا يأخذون من الناس كل شي ... وليس الجرحى ... المصاب برجله ... وكان خارجا على عكازتين ورجله في جبس ... كيف انهالوا عليه ركلا باقدامهم ثم ... رموه ارضا .. ومن بنادقهم الخمسة زرعوا جسمه برصاصهم ... كنت في هذه اللحظة افكر بالدكتور عبد العزيز وباقي الممرضين فاني لا اعرف مصيرهم ... بعد حوالي 45 دقيقه تقريبا ... جاءنا مسؤول الامن الفاشي ... مع احد عناصره لياخذنا انا والطبيبان السويديان والضابط السوري ... وكان خروجا رهيبا ... ومشينا في الطريق المؤدية الى خارج المخيم ... تبلغ حوالي 300 متر ولكن كانت اطول طريق ... في حياتي ... كانت هناك جثث الشيوخ ... جثث الاطفال ... ورايت جثة امراة حامل ... وقد اطلق عليها النار في بطنها ... والدم ينزف ... منها ... وتتوالى الجثث امامي والطريق تطول وتطول ... وفي نهاية الطريق ... كانت هناك الياتهم والفاشيون يتلذذون بمنظر القتلى ، اخذوني في سيارة الى مقر القيادة هناك ... ادخلت الى مكتب ... الشيخ امين الجميل ... نظر الي هازنا وقال ... بعد ان قدمت اليه باني طبيب المخيم (( انظر تولون انني فاشي ... ويدي ملطخة بالدماء ... وهاهي نظيفة )) .. بعد ان سلموا علي ... غلسوا ايديهم ... بالكحول كانوا ينظرون الي ... كما لو اني قادم من كوكب اخر .. لم يكونوا ليصدقوا ان هناك بشرا داخل المخيم ... كانوا يظنون انهم يقاتلون اشباح ... فالمخيم كان مدمرا كليا ... اين الناس اذا ؟ ... اين المقاتلون ... ؟ كانوا يسألون اسئلة ساذجة ... وهناك رأيت الصليب الاحمر الدولي ... اخبرت مندوبهم ان الدكتور عبد العزيز ومعه مجموعة ممرضين كان يتبعني ولم اعد اعرف مصيره ... وفورا اتصل بجهاز اللاسلكي ... وتحركت سيارة الى منطقة الدكوانة ... لانقاذ عبد العزيز والممرضين ، كان هناك جمع من الصحفيين ومراسلى وكالات الانباء ينتظرون ... واجروا معنا لقاء ... بعد جهد جهيد لان الفاشين كانوا ... لا يريدونا الادلاء بأي تصريح ... كانوا يريدون التكتم علينا .. حتى لا يعرف مصيرنا ...

وبداوا معي التحقيق وحضر احدهم : ـ

ـ انا الدكتور ريشا ... مسؤول الاقليم الطبي

ـ اهلا وسهلا ...

ـ دكتور يوسف انت متهم .. بالتمييز في معاملتك بين واللبنانييين ... والمسيحين والمسلمين ... كنت لا تسعف اللبنانيين وتسحب منهم الدم حتى الموت لتعطية للفلسطينين .

وضحكت لهذا الادعاء ... وكانت اعصابي في تلك اللحظة غير متوترة ... كنت اتكلم بهدوء ... كنت مسبقا ... قد حسمت قضية الحياة والموت ... ولذلك ... قلت له : انت تعرف ما هو سبب وجودي هنا ... لقد انقذني احدكم .. لاني ذات يوم .. اجريت له عملية جراحية ... وانقذته ... وهذا ... دليل كاف على ... عدم تميزي بين الناس .

ـ هناك شخص ... يعرفك ... وهو هنا في الغرفة المجاورة ويشهد ... بانك كنت تميز ولم تسعف قريبه ذات يوم حتى مات .

ـ كنت واثقا من نفسي تماما ... ولذلك شعرت انهم يخوضون ضدي حربا نفسية خاسرة ... وقلت له انا مستعد للمواجهة ... ولكن عندي بعض الامور سأواجهكم بها .. وسردت لهم مجموعة من يصنفهم حسب الدين والجنسية ... فقاموسهم ... ملي بتلك المصطلحات وكيف اجريت لهم عمليات جراحية وكيف انقذت حياتهم واوصلتهم الى ذويهم سالمين ... وواجهته بالاسماء سردت عليه قصة الجريح ... الذي اصيب برأسه رصاصة اخترقت عينه ... وكادت ان تكون قاتلة ... وكيف اجريت له العملية وكيف ان المقاتلين تبرعوا له بالدم ... كنت دائما اسال عن مصير د. عبد العزيز ... واقاطعهم الحديث لاسال عنه وكانوا يقولون لا تخف سيحضر ... وحوالي الساعة الثانية بعد الظهر ... احضروه ... ووجهوا له نفس الاسئلة ... التي كانت وجهت لي ... في غرفة اخرى ... عرفت ذلك فيما بعد وكانت تجول في خاطري في تلك اللحظة .. مصير ... الاخوات الممرضات ... لقد قتلوا ... مجموعة من الممرضين امام ناظري ... وقتلوا جميع من حملنا من جرحى ... كنت افكر في مصير .. بهاء ... التي كانت بجانبي وكانوا يطاردونها ... وفريال ... وقد حملت لي الحقيبة ... وفاديا ... التي لم ارها ... منذ خروجنا من مركز الطوارئ وتمر امامي الهواجس واتخيلهم جميعا وقد قتلوا ... وكذلك د . عبد العزيز وحوالي الساعة الرابعة … وبعد الحاحي احضروا د . عبد العزيز وبدوا افكارهم ... وادعاتهم ... ان الناس كثيرون ... منهم حضرو ... يطالبون بانقاذي ... ولكنهم كانوا دائما يعتبروننا اسرى حرب ... كانت الساعة الثالثة بعد الظهر عندما شاهدت قوات الامن العربية .. وكنا في انتظارهم الساعة التاسعة صباحا ... ومن على شرفة الغرفة ، كنت اشاهد مظاهر الابتهاج ... ولكن بالانتصار ... بل بالنزعة الساديه يتلذذون بمنظر السلخ .... والذبح ... والقتلى ... ويحضر ... الدكتور حسن صبري الخولي ممثل الجامعة العربية ويتفاوض ... مدة طويلة ... مع امين الجميل ... لاخلاء سراحنا ... وفي السادسة مساء ... استقلينا سيارة الدكتور حسن صبري الخولي ... يقودها الشيخ امين الجميل بنفسه ... عبر المنطقة الشرقية ... حيث الحواجز الكثيرة والذي بلغ عددها 12 حاجزا ... ومن سلم من المجزرة على مداخل المخيم ... قتل وسجن على هذه الحواجز ... وصلنا منطقة المتحف ... وهي ... الخط الاخضر الفاصل بين طرفي بيروت .. وهناك ... نزل امين الجميل ... كان منظرا رهيبا لتلك الحواجز ...لتلك الجثث ولا اعرف ماذا حل بي لو لم يكن امين الجميل معنا ... علني ... كنت ضحية السكين ... التي سجلت الكثيرين ... وجثثهم مترامية على جانبي الطرقات ... لنتابع سيرنا الى بيروت الغربية ونحن غير مصدقين اننا فلتنا من قبضة الفاشين ، وكان مندوب الصليب الاحمر قد سبقنا وفجاه اوقف السيارة ... ونزل من سيارته وركض باتجاهنا .. وكان بينى وبينه عناق طويل ... وقال : (( لم اكن اصدق انكم ستنجون )) كنت اعرف ما يضمرون لكم .. وتابعت السيارة طريقها بنا الى اللورال بيتش على الشاطئ الغربي لبيروت ... وكنت خلال الطريق ... ارى السيارة والناس … واخذت معالم الحضارة ترجع شيئا فشيئا لنا ... وكان لقاء حار مع القيادة ... لينتهي اطول يوم حياتي ... بعدما كانت الاخبار قد سبقتنا الى المنطقة الغربية بأننا قد قتلنا ... من خلال حديث الاهالي ... الذين شاهدوا المجزرة .. وبعد يومين من الخروج ... كنت والدكتور عبد العزيز .... والدكتور فتحي عرفات في الدامور ... نختار مكانا .. ليكون مركز للهلال الاحمر .. متابعين طريقنا مع اهالي التل .. الذين حفروا في وجداننا ثلما انسانيا ثوريا ... وبقي التل .. بمقاتليه .. يصارع .. ويصارع الى ان استشهد .. استشهد ولم يسقط .. فلم يعد .. تلا وقد تشامخ .. وعلا .. وترك فيه ما يقارب من 3000 شهيد رووا بدمائهم معركة البطولة .. معركة الصمود والاستمرار لهذه الثورة .. وبعد يومين .. شق مقاتلي التل المدافعين عنه طريقهم عبر الجبل ... خلال معارك ضارية مع الفاشيين ليلحقوا بقواعدنا في الجبل ... لتنتهي المعركة الاسطورة .. معركة 53 يوما من القتال الضاري .. والسبعين هجوما التي تحطمت عند حدود عاصمة الفقراء ... وكومونة الكادحين ..

Saturday, June 27, 2009

ليت شعري

رفعت رأسي ووضعت الكتاب جانبا ولم أرفعه منذ ذلك الحين، كان كتابا رثا استعرته من أحد الأصدقاء منقذا إياه من مستقبل واعد في تجميع الغبار - رياضة تتميز بها كتب العرب دون سواها من أخواتها - غير مدرك حينها أن الكتاب العربي كبطل مأساة إغريقية لا يسعه تلافي قدره. مرت سنين منذ تلك اللحظة، لا أذكر الأحداث أو حتى أسماء الشخصيات لكنني أذكر المشهد الذي توقفت عنده عن القراءة، كان سؤالا وجه إلى البطل حول سعيه المحتوم والواعي نحو التدمير الذاتي... لم أكمل قراءة الفقرة وأعدت الكتاب إلى صاحبه بعد عدة أيام.

أعلم أن الرواية ما كانت لتجيب عن هذا السؤال لكنني لم أكن سأتحمل رؤية عواقب تصرف البطل، لم أكن مستعدا لمواجهة هذا السؤال. لماذا أمشي صاغرا في سبيل أعلم عاقبته ولا أحاول أن أتغير؟ لماذا أخشى المواجهة رغم أنها لا تخيف؟ ألا أعلم أن غالبية مشاكلي اليوم سببها تجنبي اتخاذ أي قرار... هل ترددي هو سبيلي الخاص لتدمير الذات؟ أم انه مجرد شعار لإسباغ بعض الشاعرية على جبني؟

حرت في الجواب فهل طرح السؤال بداية الخلاص؟