Monday, October 19, 2009

كان موطني

في الأيام الأخيرة اتهمت عدة أوساط فتحاوية وسلطةفلسطينية قناة الجزيرة القطرية بالمساس بقيمة وطنية والاستهانة بدماء الشهداء وتضحيات الشعب وذلك على خلفية بث قناة الجزيرة قبل مدة في برنامج بلا حدود "نصا محرفا" للنشيد الوطني العراقي . نعم النشيد العراقي وليس الفلسطيني ... يبدو أن قادة الشعب الفلسطيني نسوا ما هو النشيد الوطني الفلسطيني الرسمي (أو ربما تناسوه) أما عن المساس بالنشيد فمشاهد المقطع يعلم أن من تم المساس بهم هم من يدعون قيادة الثورة الفلسطينية (من فتح وحماس) فاتهموا بالفساد وووضع أهداف أخرى غير المصلحة الوطنية الفلسطينية نصب عينيهم.

الغريب أننا لم نسمع اعتراضا من فئات حمساوية وهو إما لعدم إصابتهم بالغباء الكلي المستفحل لدى قياديي الفصيل المنافس الذين ساهموا في إلقاء الضوء على هذا المقطع وساعدوا في انتشاره أكثر أو بسبب علاقة فصيلهم بالنظام القطري (والله أعلم). على كل حالف فإهانة دم الشهداء لم تكن ببث مقطع يسخر من القيادة الفلسطينية وينتقدها بشكل مبطن (وشر البلية ما يضحك) ولكن بفضيحة تأجيل النقاش على تقرير جولدستون التي تم تداركها بسبب الغضب الشعبي الهادر الذي لم يتوقعه قادة سلطة دايتون (كما يحب للبعض تسميتها)... ولولا الرد الشعبي غير المتواني لما تم إقراره في جلسة طارئة لمجلس حقوق الإنسان.

على كل أقترح على "قادة الثورة الفلسطينية" أن يهتموا بأمور أخطر مثل تجميد الاستيطان الذي لم يكن أبدا وشجبها أم أنهم يهابون التعرض لمثل هذه الأمور حتى ولو كانت مجرد ضريبة كلامية.

Friday, October 2, 2009

كلام يبحث عن طعم

مرت في أيلول أيام ذكرى عديدة رغبت في الكتابة عنها (ما ألبث أن أرغب عن الكتابة فيها) كذكرى أيلول الأسود- الذي كشفت صحيفة هآرتس مؤخرا عن وثائق جديدة عنه (بطبعتيها العبرية والإنجليزية) تفيد بحجم التواطؤ العربي والتنسيق الأمريكي الإسرائيلي- وذكرى وفاة عبد الناصر، فرغم عدم انبهاري من مشروعه - الذي وصفه سمير أمين بأنه مشروع برجوازي غير ثوري معتبرا أن سياسة السادات لم تكن انقلابا عليه بل مجرد امتداد طبيعي له فلا ننسى أن عبد الناصر قبل بمبادرة روجرز في نفس الوقت الذي كان يتغنى به بلاءات الخرطوم - لكنه يبق قائدا مقارنة بالدمى التي نصر أن نسميها زعماء رغم أنه تعجز أن تحرك إصبعها دون أمر ذلك الممسك بأطراف الخيوط الخفية. كما أنني لست من هؤلاء الليبراليين الذين يدّعون أن فترة حكم عبد الناصر قطعت تجربة ديموقراطية منذ عهد الملوكية إلى عهد محمد نجيب (تتجلى هذه النزعة في رواية عمارة يعقوبيان - ولا أدري عن الفيلم الذي لم أشاهده)... متناسين أن ديموقراطيتهم الجوفاء لم تشمل سوى أرستقراطية القاهرة (والإسكندرية) وبعضا من برجوازيتها في وقت كان غالبية المصريين فيه أقنان "طاوين الأحشاء على الطوى". فلولا الإصلاح الزراعي (على آفاته الجمة) ولولا انتشار التعليم في الأرياف ولدى لبقي معظم الشعب المصري يعيش في العصور الوسطى (وقد أحسن يوسف إدريس بتصوير ذلك برمزية في قصة الطرفة وخاتمة رواية الحرام).

كاريكاتير لصلاح جاهين يصور وضعنا المأساوي: أصبحنا نشتاق لأيام عبد الناصر


لكن ما نجه بدفني للكتابة أخيرا هو مرور ذكرى "هبة أكتوبر" (تسمية اخترعت لإعادة رسم خط أخضر محته أول أيام تشرين في آخر سنة من الألفية الثانية) فتم الإضراب (لأول مرة منذ فترة طويلة) وكانت مظاهرة "جبارة" في عرابة حضرها ستون ألف إنسان (بحسب تقديرات المنظمين المتفائلة). فقد شكل الإضراب العام مطلبا رسميا من بعض الأحزاب ولجنة ذوي الشهداء منذ سنوات ولم يجهضه سوى رفض الجبهة له، ولا أدري سبب تغيير الموقف (وهل له علاقة بالنسب المزعوم بين سكرتارية الجبهة القطرية ورئاسة لجنة ذوي الشهداء) على أي حال فقد شهدت أبواق كافة الأحزاب بنجاح الإضراب والمظاهرة وليس الإجماع سوى تأكيد لهذه "الحقيقة الساطعة".

الإضراب وسيلة نضالية يستخدمها العمال لمطالبة أرباب المصانع بحقوقهم وهي وسيلة قديمة (أول إضراب موثق حصل في مصر الفرعونية) تستخدم كآلية ضغط لتحسين الأوضاع لكنها لوحد الإضراب وحده لا يعني شيئا ما دام لم يؤدي إلى تحسين موقفك بالمفاوضات. قولي لي بالله عليكم على من ضغطنا بإضرابنا لبضع عشر ساعات وهل أصلا يمكن تصنيف ما حدث إضرابا؟ كيف ضغطنا على الحكومة الإسرائيلية بإغلاقنا المؤسسات الخدماتية العربية أمام المواطن العربي؟ هل حقا التزم العرب العاملين بشركات ومصانع غير عربية بالإضراب؟ هل أدى "الإضراب" إلى نتائج عملية؟ هل نجحنا بطرح قضايانا أمام الرأي العام الإسرائيلي؟ هل أصلا حصلنا على تغطية إعلامية لما حدث؟ ما كان لم يكن إضرابا بل يوم حداد لذكرى أحداث حزينة ولا علاقة له البتة بالنضال الشعبي. كذلك الأمر بالنسبة للمظاهرة فما الغاية من التظاهر في مناطق سكنانا وما الفرق بين قيام مظاهرة في عرابة (أو الناصرة أو أم الفحم أو أي بلدة عربية أخرى) وبين أن نطلب من كل مواطن أن يتظاهر في غرفة نومه على حدة؟ ما دام الأمر لا يحصل على تغطية إعلامية تطرح قضايانا أمام الرأي العام... نجاح المظاهرة هو قيامنا بملئ إحدى ساحات تل أبيب بمائة ألف متظاهر على الأقل (يفضل أن يكون الرقم أقرب إلى المائتين) لنظهرجديتنا امام صناع القرار... كل ما عدا ذلك لا يدخل حتى في إطار النضال.

اليوم ذكرى ميلاد موهنداس كريشمند غاندي الذي أبهر العالم بقيادته حركة تحرير للهند (بل لشبه الجزيرة الهندية) بأساليب سلمية. ولننس لبرهة أن تحريره للهند جاء في ظرف تاريخي أفلست فيه الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس مما جعل قادتها يقررون التخلي عن المستعمرات (لذا فتحرير الهند كان سيتم حتى دون حركته اللاعنفية لكنه كان سيكون آجلا وليس عاجلا) ولننس فشله باحتواء الخلافات الطائفية/الإثنية رغم شخصيته الكاريزماتية مما ادى إلى استقلال منفصل لباكستان وبانغلادش. يبقى تراث غاندي إلهاما لأي حركة عصيان مدني فلنتعلم من تجربته.
حتى نعتبر أي عملية عصيان مدنيا يجب أن تكون عصيانا أي أن تعصي إرادة الحاكم، واليوم فالحكومة الإسرائيلية تخلصت من أساليب الحكم العسكري واستعاضت عن رغبتها بالتحكم المباشر بكل فرد باحتوائها للحركة الشعبية وتهميشها في النطاق الإسرائيلي. الإضراب لذلك فقد غايته وكذلك المظاهرات... نضالنا يجب أن يكون ذا تأثير على كرسي الحاكم أو على الرأي العام الإسرائيلي وهو ما لم نفعله بتاتا. فحتى مقاطعتنا شبه الكاملة للانتخابات الرئاسية لم تؤثر في نتيجتها أو في تعامل قادة الأحزاب الصهيونية معنا ولم تترك أي أثر فينا نحن (من يذكر أصلا أننا قاطعنا الانتخابات) صديق لي اعتبر مجرد نجاح المقاطعة إنجازا رغم انعدام أي مربح لنا منها (أحييه على روحه الرياضية ولعله استلهم نظريته من عالم الرياضة إذ أنه يعتبر أن مجرد مشاركته باللعبة إنجاز حتى لو خسر100-صفر).

لا أدعي حيازتي على الأجوبة ولا أدعي حتى أنني أعتبر تدوينتي هذه جديرة بالقراءة فقد أردت أن أقول بها كل شيء دفعة واحدة. لكن رجاء لا تحولوا هزائمنا إلى انتصارات، النضال ليس فعلا آنيا بل مسيرة طويلة ومتكاملة لا تنقطع سوى بإحراز المطالب وليست فعاليات منقطعة عن أي سياق نقوم بها لإرضاء ذاتنا مدعية الوطنية. حالنا ليس بخير بل هو أشبه بحال الرجل الذي نجا من خوف فيل هائج إلى بئر فتدلى فيها متعلقا بغصنين ثم نظر فإذا في قاع البئر تنين فاتح فاه منتظر له ليقع فيأخذه؛ فرفع بصره إلى الغصنين فإذا في أصلهما جرذان أسود وأبيض، وهما يقرضان الغصنين دائبين لا يفتران، فبينما هو في النظر لأمره والاهتمام لنفسه، إذا أبصر قريباً منه كوارةً فيها عسل نحلٍ؛ فذاق العسل، فشغلته حلاوته وألهته لذته عن الفكرة في شيءٍ من أمره، وأن يلتمس الخلاص لنفسه.

Wednesday, August 12, 2009


تحل قي ١٢ آب ذكرى مجزرة تل الزعتر، لنتذكر الضحايا. النص التالي مأخود من كتاب "يوميات طبيب في تل الزعتر" من تأليف يوسف عراقي. أورده هنا قي إطار الاستخدام العادل كما أنصح الجميع بمحاولة الحصول على هذا الكتاب وقراءته.

11 آب

ويبدأ القصف من جديد ... وصوت المدافع والقذائف .. اصبح امرا عاديا .. فلا صباح في التل .. بدون قذائف كأنما صياح الديك الذي يعلن انبلاج الصبح ... كان ادهم نائب المسؤول العسكري قد غادر المخيم ... مع الدفعة الثالثة من الجرحى متخفيا .. بالرغم من اصابته بكسور في يده اليمنى ... خرج ليعطي القيادة المركزية تصورا دقيقا عن الوضع داخل المخيم ... كما ان مجموعة قد انطلقت قبل ايام مكونة من 4 مقاتلين عبر الجبال ... لتتصل بالقيادة في الجبل وتعطي تفاصيل عن اوضاع المخيم العسكرية والتموينية . واليوم الثاني يمر على المخيم ... بدون ماء مطلقا ... ومزيدا من الاطفال .. يذهبون .. الى العالم الاخر وهم ما عرفوا شيئا في عالمنا هذا غير البؤس والحصار والجوع .. والعطش ... وما ان انتصف النهار حتى مر بنا المسؤول السياسي وتحدثنا عن اخر الاخبار ... واخبرنا ... ان نحضر الى مقر القيادة حوالي الساعة الرابعة لاطلاعنا على خبر مهم . خرجنا وعبد العزيز .. وللمرة الثانية كان خروجنا يثير ... الكثير شجون الناس ... كان هناك تجمع بالقرب من الطوارئ ... جمهره من الاهالي يتحادثون فيما بينهم غير ايهين بالقذائف ... خرجنا ... والمرة الاولى التي كنا نتجه فيها شرقا الى مقر القيادة في التموين ... كنا نعبر الابنية ...

خلال الحيطان المثقوبة ... والناس ينظرون الينا بدهشة ... وتعجب ... كأنما قراؤا شيئا ، ذهب معنا نزار .. كنا نمر عبر الملاجئ ونسمع ... همسات النساء ... (( وين رايحين الدكاترة .. لعل هناك امرا ما )) .. وصلنا الى مبنى التموين في رأس الدكوانة ... وهي بناية محصنة تماما وتشبه البونكر ... تحت الارض ... محاط بأكياس من الرمل ... سألنا عن سلمان ... وقادنا احد المقاتلين الى مقره هناك جلسنا قليلا ... بعد ان تحدث معنا احد الصحافين الايطالين باللاسلكي.. من بيروت الغربية يسألنا عن حالة الاطفال ... وعن الجفاف ... والمعنويات .. وبعد قليل كان هناك حديث بين سلمان والقيادة ... كانت الساعة قاربت من السادسة مساء عندما اخبرنا سلمان ان هناك اتفاق على اخلاء النساء والاطفال .. بواسطة الصليب الاحمر الدولي وبأشراف قوات الامن العربية قد تم وان العلمية ستتم غدا صباحا في تمام التاسعة ... وهذا الاتفاق بالطبع لا يشمل المقاتلين والعسكرين .. جلسنا قليلا ... واذكر ... ان الحديث دار يومها .. على ان الوضع كان ممكن ان يكون غير ذلك ... لو كنا فقط ... مقاتلين ولكن وجود الاطفال .. اثر علينا كثيرا ولا بد من التفكير بانقاذهم اولا ... عدنا وعبد العزيز .. عبر الابنية ... المتهدمة وصلنا الى مقر الطوارئ لنجد الممر ضيق والناس متجمعين وكأن على رؤوسهم الطير .. كانوا ... ينتظرون خبرا .. في بادئ الامر ..لم نخبرهم بشي ... وبهدوء اخبرناهم ما سمعنا ... وكنا ننتظر اليوم التالي .. المقاتلين لن ينسحبوا قبل خروج اخر مدني من المخيم وكان همنا الاكبر هو كيف سننظم عملية اخلاء جرحانا وهذه هي مسؤوليتنا بالدرجة الاولي ... مر الوقت بطيئا تلك الليلة .. ان نبلغ الاهالي بذلك .. وكان علينا ان ننتظر ... في تلك الليلة حضر الينا ذيلمان وزوجته السوديان ... حتى يكونوا معنا في اليوم التالي لتدبير امرنا ... ولم تغمض لنا جفون في تلك الليلة .. كنا نعد لعدة لاخلاء ... الجرحى .. ولم نكن لنعرف اين ستتم عملية الاخلاء ... وكانت ليلة اخرى قمرية صافية الاديم هادئة ، خرجت اتمشى تلك الليلة في المخيم ... كما لو انني اودع هذا التل .. في الليلة الاخيرة .. اودع الشهداء الذين سقطوا دفاعا . وفي الصباح كنت انوي الذهاب الى المستشفى لاحضار بعض كتبي من هناك ... وفجأة بدأ قصف ليس ببعيد عنا ... وجاء محمود واحمد الممرضان لخبرانا انهم ... جاءوا ... من المستشفى ولم يستطيعوا الوصول لان الفاشين قد طوقوه وقتلوا كل من كانوا هناك ... الجرحى ... والاهالي الذين كانوا يستعملون قسما منه كملجئ .... وكنا ما زلنا في دوامة الاتفاق ... وطلقات الرصاص والقذائف تنطلق .. انها خدعة .. وليست اتفاق وتنشب معركة كبيرة عند مركز الطوارئ بين المقاتلين والمركز يكتظ بالجرحى ... والنساء والاطفال الذين حضروا للاحتماء.. عندنا ... ولكن وبينما كنا وعبد العزيز والممرضين نحاول ترتيب امر نقل الجرحى من المركز الى بناية مجاوروة واذا باعداد من مقاتلي الفاشين كانوا قد وصلوا لنا من جهة الشمال من محاور الدكوانة ... وطلبوا منا التقدم ... سرنا ومعنا جرحانا نحملهم على ما توفر من حمالات وابواب خشبية وتوجهنا بعد ان اخبرونا ان الصليب الاحمر ينتظرنا وكان خروجا الى الموت . كانت اعداد النساء والاطفال بدأت نخرج ... وكان الممر اجباري ... سرت والطبيب السويدي وزوجته وكان الممرضين يتبعونني وهم يحملون الجرحى ... واوقفنا اثنين من الفاشين ... الى الحائط بعد ان امروا جميع الممرضين والاطباء ان يقفوا الى الحائط ... وشعرت انها لحظاتنا الاخيرة يريدون ان يطلقوا النار علينا وفيما هم منشغلين في الحديث ، دعوت الممرضين الى التحرك بسرعة والاختفاء بين جموع ... الاهالي الخارجين .. واخبرت من كان حولي منهم بأن .. يقلع المريول الابيض وشارة الهلال والصليب ... لانني عرفت امرا يدبر للطاقم الطبي ... ولكننا لم نستطع تفادى الحواجز .. الكثيرة وبدأ الوضع يصبح ، اكثر خطورة كل ما تقدمنا .. والفاشيون يطلقون النار فوق رؤوسنا ... وبين ارجلنا وكانوا يفتشونا ويأخذون كل ما نحمل ... من ساعات ونقود ... حتى وصلنا طريقا اجبارية وكانت هناك اعداد كبيرة من المسلحين الفاشيست .... اوقفونا جميعا بعدما عرفوا انني الطبيب والمرضين معي … وحاولوا اطلاق النار علينا فورا جميعا … وفجأة ارى احد مقاتلي الفاشيست وقد تقدم نحوى ... ويناديني د . يوسف ... يوسف ... لقد تعرف علي واخذ يعرفني بنفسه وانا من هول ما اشاهد لم استطع النطق ... وذكرني بأنني اجريت له عملية جراحية وانقذته بينما كان في حالة خطره ... ذات يوم عندما احضر الى المستشفى قبل الحصار الاخير ، حاول انقاذي ولكن الفاشي الاخر كان يريد اطلاق النار وجرت مشاجرة بينهما وفجأه من الباب يبرز ... وجه مألوف .. انه الملازم راجح .... وهو من جيش التحرير الفلسطيني الذي كان داخل المخيم ... هرع الى .. وعانقني وحسم الموقف قدم نفسه على انه ضابط سوري .. حاولت جاهدا السعي لانقاذ الممرضين والجرحى ولكن دون جدوى ... قادوني الى مدخل الى البنايات حيث اجلسوني ... ليمر امامي الشريط ... المجزرة .... كنت اسمع اصوات والصيحات تنطلق ... من خلف البناية ... بعدها شاهدت الفاشين وقد اوقفوا الممرضين طابورا ... اثين اثين ... وامروهم بالسير الى الامام .. حيث لم استطع رؤيتهم ولن انسى نظرأت خالد ... ذلك الممرض المتطوع ... كانت عيناه تقول الكثير لي ... ولكني لم استطع عمل أي شي واحضروا الاطباء السويدين الى الداخل .... بعد قليل خرج احد الفاشين يحمل يحمل بندقية كبيرة وسمعت صليات كثيفة .. وصراخ .. وخيم بعدها الهدوء ... وكان هناك ممدوح وخالد وصبحي ... وبقية الممرضين ... وابقنت انهم اطلقوا عليهم النار ... جميعا ... مر شريط المجزرة امامي رهيبا ... كانوا يأخذون الاهالي جماعات ليطلقوا النار عليهم ... وكان احد الفاشين ضخم الجثة... وقد تعتعه السكر ... يحمل سكينا كبيرة ... ملطخة بالدماء ... ويأتي كل بضع دقائق ليمسح سكينة الملطخة بدماء الاهالي ... بقميص من كان يجلس ... عند الباب منهم ... لقد كان يذبح ... كما يذبحون الغنم .. وبعد يبدا التفتيش في جيوب الضحايا .. عن اشياء ... لقد كا منظر رهيبا وقذرا في لحظة تتجمد فيها العاطفة ... كانوا يأخذون من الناس كل شي ... وليس الجرحى ... المصاب برجله ... وكان خارجا على عكازتين ورجله في جبس ... كيف انهالوا عليه ركلا باقدامهم ثم ... رموه ارضا .. ومن بنادقهم الخمسة زرعوا جسمه برصاصهم ... كنت في هذه اللحظة افكر بالدكتور عبد العزيز وباقي الممرضين فاني لا اعرف مصيرهم ... بعد حوالي 45 دقيقه تقريبا ... جاءنا مسؤول الامن الفاشي ... مع احد عناصره لياخذنا انا والطبيبان السويديان والضابط السوري ... وكان خروجا رهيبا ... ومشينا في الطريق المؤدية الى خارج المخيم ... تبلغ حوالي 300 متر ولكن كانت اطول طريق ... في حياتي ... كانت هناك جثث الشيوخ ... جثث الاطفال ... ورايت جثة امراة حامل ... وقد اطلق عليها النار في بطنها ... والدم ينزف ... منها ... وتتوالى الجثث امامي والطريق تطول وتطول ... وفي نهاية الطريق ... كانت هناك الياتهم والفاشيون يتلذذون بمنظر القتلى ، اخذوني في سيارة الى مقر القيادة هناك ... ادخلت الى مكتب ... الشيخ امين الجميل ... نظر الي هازنا وقال ... بعد ان قدمت اليه باني طبيب المخيم (( انظر تولون انني فاشي ... ويدي ملطخة بالدماء ... وهاهي نظيفة )) .. بعد ان سلموا علي ... غلسوا ايديهم ... بالكحول كانوا ينظرون الي ... كما لو اني قادم من كوكب اخر .. لم يكونوا ليصدقوا ان هناك بشرا داخل المخيم ... كانوا يظنون انهم يقاتلون اشباح ... فالمخيم كان مدمرا كليا ... اين الناس اذا ؟ ... اين المقاتلون ... ؟ كانوا يسألون اسئلة ساذجة ... وهناك رأيت الصليب الاحمر الدولي ... اخبرت مندوبهم ان الدكتور عبد العزيز ومعه مجموعة ممرضين كان يتبعني ولم اعد اعرف مصيره ... وفورا اتصل بجهاز اللاسلكي ... وتحركت سيارة الى منطقة الدكوانة ... لانقاذ عبد العزيز والممرضين ، كان هناك جمع من الصحفيين ومراسلى وكالات الانباء ينتظرون ... واجروا معنا لقاء ... بعد جهد جهيد لان الفاشين كانوا ... لا يريدونا الادلاء بأي تصريح ... كانوا يريدون التكتم علينا .. حتى لا يعرف مصيرنا ...

وبداوا معي التحقيق وحضر احدهم : ـ

ـ انا الدكتور ريشا ... مسؤول الاقليم الطبي

ـ اهلا وسهلا ...

ـ دكتور يوسف انت متهم .. بالتمييز في معاملتك بين واللبنانييين ... والمسيحين والمسلمين ... كنت لا تسعف اللبنانيين وتسحب منهم الدم حتى الموت لتعطية للفلسطينين .

وضحكت لهذا الادعاء ... وكانت اعصابي في تلك اللحظة غير متوترة ... كنت اتكلم بهدوء ... كنت مسبقا ... قد حسمت قضية الحياة والموت ... ولذلك ... قلت له : انت تعرف ما هو سبب وجودي هنا ... لقد انقذني احدكم .. لاني ذات يوم .. اجريت له عملية جراحية ... وانقذته ... وهذا ... دليل كاف على ... عدم تميزي بين الناس .

ـ هناك شخص ... يعرفك ... وهو هنا في الغرفة المجاورة ويشهد ... بانك كنت تميز ولم تسعف قريبه ذات يوم حتى مات .

ـ كنت واثقا من نفسي تماما ... ولذلك شعرت انهم يخوضون ضدي حربا نفسية خاسرة ... وقلت له انا مستعد للمواجهة ... ولكن عندي بعض الامور سأواجهكم بها .. وسردت لهم مجموعة من يصنفهم حسب الدين والجنسية ... فقاموسهم ... ملي بتلك المصطلحات وكيف اجريت لهم عمليات جراحية وكيف انقذت حياتهم واوصلتهم الى ذويهم سالمين ... وواجهته بالاسماء سردت عليه قصة الجريح ... الذي اصيب برأسه رصاصة اخترقت عينه ... وكادت ان تكون قاتلة ... وكيف اجريت له العملية وكيف ان المقاتلين تبرعوا له بالدم ... كنت دائما اسال عن مصير د. عبد العزيز ... واقاطعهم الحديث لاسال عنه وكانوا يقولون لا تخف سيحضر ... وحوالي الساعة الثانية بعد الظهر ... احضروه ... ووجهوا له نفس الاسئلة ... التي كانت وجهت لي ... في غرفة اخرى ... عرفت ذلك فيما بعد وكانت تجول في خاطري في تلك اللحظة .. مصير ... الاخوات الممرضات ... لقد قتلوا ... مجموعة من الممرضين امام ناظري ... وقتلوا جميع من حملنا من جرحى ... كنت افكر في مصير .. بهاء ... التي كانت بجانبي وكانوا يطاردونها ... وفريال ... وقد حملت لي الحقيبة ... وفاديا ... التي لم ارها ... منذ خروجنا من مركز الطوارئ وتمر امامي الهواجس واتخيلهم جميعا وقد قتلوا ... وكذلك د . عبد العزيز وحوالي الساعة الرابعة … وبعد الحاحي احضروا د . عبد العزيز وبدوا افكارهم ... وادعاتهم ... ان الناس كثيرون ... منهم حضرو ... يطالبون بانقاذي ... ولكنهم كانوا دائما يعتبروننا اسرى حرب ... كانت الساعة الثالثة بعد الظهر عندما شاهدت قوات الامن العربية .. وكنا في انتظارهم الساعة التاسعة صباحا ... ومن على شرفة الغرفة ، كنت اشاهد مظاهر الابتهاج ... ولكن بالانتصار ... بل بالنزعة الساديه يتلذذون بمنظر السلخ .... والذبح ... والقتلى ... ويحضر ... الدكتور حسن صبري الخولي ممثل الجامعة العربية ويتفاوض ... مدة طويلة ... مع امين الجميل ... لاخلاء سراحنا ... وفي السادسة مساء ... استقلينا سيارة الدكتور حسن صبري الخولي ... يقودها الشيخ امين الجميل بنفسه ... عبر المنطقة الشرقية ... حيث الحواجز الكثيرة والذي بلغ عددها 12 حاجزا ... ومن سلم من المجزرة على مداخل المخيم ... قتل وسجن على هذه الحواجز ... وصلنا منطقة المتحف ... وهي ... الخط الاخضر الفاصل بين طرفي بيروت .. وهناك ... نزل امين الجميل ... كان منظرا رهيبا لتلك الحواجز ...لتلك الجثث ولا اعرف ماذا حل بي لو لم يكن امين الجميل معنا ... علني ... كنت ضحية السكين ... التي سجلت الكثيرين ... وجثثهم مترامية على جانبي الطرقات ... لنتابع سيرنا الى بيروت الغربية ونحن غير مصدقين اننا فلتنا من قبضة الفاشين ، وكان مندوب الصليب الاحمر قد سبقنا وفجاه اوقف السيارة ... ونزل من سيارته وركض باتجاهنا .. وكان بينى وبينه عناق طويل ... وقال : (( لم اكن اصدق انكم ستنجون )) كنت اعرف ما يضمرون لكم .. وتابعت السيارة طريقها بنا الى اللورال بيتش على الشاطئ الغربي لبيروت ... وكنت خلال الطريق ... ارى السيارة والناس … واخذت معالم الحضارة ترجع شيئا فشيئا لنا ... وكان لقاء حار مع القيادة ... لينتهي اطول يوم حياتي ... بعدما كانت الاخبار قد سبقتنا الى المنطقة الغربية بأننا قد قتلنا ... من خلال حديث الاهالي ... الذين شاهدوا المجزرة .. وبعد يومين من الخروج ... كنت والدكتور عبد العزيز .... والدكتور فتحي عرفات في الدامور ... نختار مكانا .. ليكون مركز للهلال الاحمر .. متابعين طريقنا مع اهالي التل .. الذين حفروا في وجداننا ثلما انسانيا ثوريا ... وبقي التل .. بمقاتليه .. يصارع .. ويصارع الى ان استشهد .. استشهد ولم يسقط .. فلم يعد .. تلا وقد تشامخ .. وعلا .. وترك فيه ما يقارب من 3000 شهيد رووا بدمائهم معركة البطولة .. معركة الصمود والاستمرار لهذه الثورة .. وبعد يومين .. شق مقاتلي التل المدافعين عنه طريقهم عبر الجبل ... خلال معارك ضارية مع الفاشيين ليلحقوا بقواعدنا في الجبل ... لتنتهي المعركة الاسطورة .. معركة 53 يوما من القتال الضاري .. والسبعين هجوما التي تحطمت عند حدود عاصمة الفقراء ... وكومونة الكادحين ..

Saturday, June 27, 2009

ليت شعري

رفعت رأسي ووضعت الكتاب جانبا ولم أرفعه منذ ذلك الحين، كان كتابا رثا استعرته من أحد الأصدقاء منقذا إياه من مستقبل واعد في تجميع الغبار - رياضة تتميز بها كتب العرب دون سواها من أخواتها - غير مدرك حينها أن الكتاب العربي كبطل مأساة إغريقية لا يسعه تلافي قدره. مرت سنين منذ تلك اللحظة، لا أذكر الأحداث أو حتى أسماء الشخصيات لكنني أذكر المشهد الذي توقفت عنده عن القراءة، كان سؤالا وجه إلى البطل حول سعيه المحتوم والواعي نحو التدمير الذاتي... لم أكمل قراءة الفقرة وأعدت الكتاب إلى صاحبه بعد عدة أيام.

أعلم أن الرواية ما كانت لتجيب عن هذا السؤال لكنني لم أكن سأتحمل رؤية عواقب تصرف البطل، لم أكن مستعدا لمواجهة هذا السؤال. لماذا أمشي صاغرا في سبيل أعلم عاقبته ولا أحاول أن أتغير؟ لماذا أخشى المواجهة رغم أنها لا تخيف؟ ألا أعلم أن غالبية مشاكلي اليوم سببها تجنبي اتخاذ أي قرار... هل ترددي هو سبيلي الخاص لتدمير الذات؟ أم انه مجرد شعار لإسباغ بعض الشاعرية على جبني؟

حرت في الجواب فهل طرح السؤال بداية الخلاص؟

Thursday, June 11, 2009

هل من جديد تحت نور الشمس؟

بمناسبة انقشاع غمامة غبار المعارك الانتخابية واحتداد التوتر الطائفي أنشر النص التالي. هذه التدوينة (بما فيها الجمل القليلة من تأليفي) ليس عليها حقوق ملكية فكرية إذ أن النص ملك عام وانا أتخلي عن حقوقي على جملي غير المفيدة:
لكم لبنانكم و لي لبناني
لكم لبنانكم و معضلاته ولي لبناني و جماله
لكم لبنانكم بكل ما فيه من الأغراض و المنازع و لي لبناني بما فيه من الأحلام و الأماني
لكم لبنانكم فاقنعوا به ولي لبناني وأنا لا أقنع بغير المجرد المطلق
لبنانكم عقدة سياسية تحاول حلها الأيام و أما لبناني فتلول بهية و جلال نحو ازرقاق السماء
لبنانكم مشكلة دولية تتقاذفها الليالي و أما لبناني ف أودية هادئة سحرية تتموج في جنباتها رنات الأجراس و أغاني السواقي
لبنانكم صراع بين رجل جاء من المغرب و رجل جاء من الجنوب أما لبناني فصلاة مجنحة
لبنانكم حكومة ذات رؤوس لا عداد لها أما لبناني فجبل رهيب و ديع جالس بين البحر والسهول جلوس شاعر بين الأبدية والأبدية
لبنانكم حيلة يستخدمها الثعلب عندما يلتقي الضبع والضبع حين يجتمع بالثعلب و أما لبناني فتذكارات تعيد على مسمعي أهازيج الفتيات في
الليالي المقمرة و أغاني الصبايا بين البيادر و المعاصر
لبنانكم مربعات شطرنج بين رئيس دين و قائد جيش أما لبناني فمعبد أدخله بالروح عندما أمل النظر إلى وجه هذه المدينة
السائرة على الدواليب
لبنانكم رجلان: رجل يؤدي المكوس ورجل يقبضها، أمّا لبناني فرجل فرد متكئ على ساعده في ظلال الأرز وهو منصرف عن كلّ شيء سوى نور الله ونور الشمس
(...)
لبنانكم وفود ولجان، أما لبناني فمجالس حول المواقد في ليال تغمرها هيبة العواصف ويجلّلها طهر الثلوج
لبنانكم طوائف و أحزاب أما لبناني فصبية يتسلقون الضخور و يركضون مع الجداول ويقذفون الأكر في الساحات
(...)
لبنانكم كذب يحتجب وراء نقاب من الذكاء المستعار ورياء يختبئ في رداء التقليد و التصنع أما لبناني فحقيقة بسيطة عارية
إذا نظرت في حوض الماء ما رأت إلا وجهها
جبران - البدائع والطرائف

آه ما أشبه اليوم بالأمس، أتمنى لشعب لبنان العظيم أن يبني ذات يوم دولة حقيقية يكون لها انتماؤه وليبتعد عن "دولة الطوائف" هذه... فلعبة المحاصصة يخسر فيها الشعب كله ولا يربح منها سوى بعض الطبقات والأسر الإقطاعية التي تتوارث المناصب.

Saturday, June 6, 2009

في الشارع

هذا فيديو تم تصويره في القدس عشية خطاب أوباما في القاهرة.. غالبية الأشخاص هم يهود أمريكان إما قاموا بالهجرة إلى إسرائيل أو يقيمون هنا لسنة من خلال برامج تنظمها بعض المؤسسات الصهيونية لزيادة الصلة بين يهود الشتات وإسرائيل. الفيديو لا يحتاج إلى تعليق. تحذير يحوي الفيديو بعض الألفاظ النابية.




Thursday, June 4, 2009

خطاب أبو حسين

بعد أسابيع من الترقب والتحليلات في وسائل الإعلام شرفنا باراك هوسين أوباما بحضوره إلى جامعة القاهرة وإلقائه خطابا يخاطب به العالم المسلم بالأساس (وليس العالمين العربي والإسلامي). إليكم فيديو الخطاب (خصصوا 55 دقيقة من وقتكم لمشاهدة خطاب تتخلله هتافات تزيد عن الهتافات في خطابات عبد الناصر):




ولمن يرغب بالنص الكامل فإليكم النص الإنجليزي (الأصلي ) وأيضا للترجمة الرسمية المعدة مسبقا كما نشرتها وكالة الأنباء رويترز. الترجمة العربية لا تخلو من عيوب إذ أنها "تحرف" بعض التعابير هنا وهناك ليظهر بلغة عربية بليغة لكنها بعملها هذا تخرج عن كونها ترجمة لإنشاء أوباما (أو كاتب/كتاب خطابه) وتصبح إنشاءا جديدا للمترجم.. مثلا ترجمة too often بتعبير "بدون حق" الذي يفيد المعنى تقريبا لكنه ليس نفس المعنى تماما فالنص العربي يدين الأمر بشدة بينما يمكن فهم النص الإنجليزي أنه لو تم تنفيذ الأمر بوتيرة أقل لكان الأمر على ما يرام (أي بدلا من الإدانة المبدئية هنالك اعتقاد بأن الولايات المتحدة "زوّدتها" فالمشكلة مشكلة كمية وليست مبدئية)

إن أوباما (المسلم لكنه يخفي إسلامه تقية دون شك) والذي له أخوال في بير المكسور (لم ينكر متحدث البيت الأبيض هذا الادعاء، فلا بد من نار أصدرت هذا الدخان) يتكلم بلهجة جديدة وبلغة بليغة (على الأقل مقارنة ببوش) ونظرته التاريخية بالتأكيد أفضل من نظرة بوش الكاوبويوية لكننا لو أصغينا إلى كلامه لوجدنا أن الفروقات بين الإثنين أقل مما نظن.. . لم يدن أوباما العنف الإسرائيلي واكتفى باعترافه بمعاناة الفلسطينيين (مع إدانة عابرة للاحتلال) فإذن لا إدانة للحرب على غزة حتى ولو بشكل غير مباشر وبالمقابل أكد على العلاقة المميزة بين الولايات المتحدة وإسرائيل. صحيح أنه طالب بإيقاف الاستيطان بلغة صريحة لكنه طالب الدول العربية بالتطبيع مع إسرائيل والحديث بصراحة عما "يقولونه خلف الأبواب المغلقة" عن رأيهم بإسرائيل... أي أنه يريد أن تتصرف الأنظمة العربية مع إسرائيل كما ترغب دون أن تبدي أي اعتبار لرأي شعوبها المعارض. لاحظوا أنه يطالب إسرائيل بالتوقف عن الاستيطان (عمل سلبي) بينما يطالب العرب بالهرولة نحو إسرائيل. يدين العنف المتطرف دون أن يأت بذكر العنف الإسرائيلي (كما تفعل المؤسسات الغربية "المستقلة" التي نتهمها بعد ذلك بالمساواة بين الضحية والجلاد أوباما لم يقم حتى بهذه).

بالنسبة للعراق وأفغانستان فهو يتعامل مع احتلال أفغانستان كأنه أمر مقبول على جميع سكان العالم متناسيا المظاهرات في الدول العربية والمسلمة التي نددت بهذه الحرب - وقد سمعنا هذا الادعاء كثيرا في السنة الأخيرة - ويعلن أن الولايات المتحدة لا ترغب بإبقاء قاعدة عسكرية في أفغانستان فهي ليست إمبراطورية بل قد ظهرت نتيجة صراعها مع إمبراطورية (البريطانية) يا للكلام المعسول... هل يقصد أنه سيأمر بانسحاب الجيش من مختلف قواعده في جزيرة العرب... طبعا لا...

لن أطيل حديثي وأحلل الخطاب من جميع جوانبه لسبب بسيط لا يهم ما قال أوباما فقد يغير كلامه غدا أو بعد غد وحتى لو لم يفعل ذلك فالامتحان الحقيقي هو بالتنفيذ... وبصراحة لا أرى حلا في الأفق.

ملاحظة أخيرة: رغم انتقادي للترجمة العربية الرسمية فأثناء البحث عن نص الترجمة وجدت في ويكي مصدر محاولة (غير مكتملة) لترجمة الخطاب... لا أعلم أهو غباؤهم أو جهلهم بوجود ترجمة رسمية أم موقف مبدئي من الترجمة... سوف أفحص الترجمة عند انتهائها (إذ تبدو لي أكثر التصاقا بمبدأ نقل إنشاء الخطاب الأصلي كما هو).

Friday, May 29, 2009

موجة الاحتواء

مذ تربع غوغل على عرش الإنترنت كلما ظهر موقع أو خدمة جديدة ادعى أحدهم أن هذا ما سيقضي على غوغل وبرأيي قلة هي المواقع التي شكلت تهديدا حقيقيا على غوغل. لكن فيسبوك وشعبيته المتزايدة ربما كان يشكل تهديدا على المدى البعيد. كنت أظن أن محاولة غوغل المساهمة في تطوير شبكة اجتماعية مفتوحة المصدر (إلى حد ما) هو ردها على فيسبوك لكن يبدو أنها عملت سرا على سلاح جديد. عرضت غوغل مؤخرا في مؤتمرها خدمة جديدة لا تزال قيد التطوير إنها google wave.
يمكنكم مشاهدة فيديو العرض:



مثل جميع خدمات غوغل تقريبا فإن هذه الخدمة مبينية بشكل جيد (بل ممتاز) وقد وضع مصمموها سلاسة الاستخدام في صلب تصميمها. لم تأتي غوغل بجديد فمكونات الخدمة موجودة من قبل (الشبكات الاجتماعية، ويكي، فليكر، بل حتى برنامج talk في أنظمة يونيكس) لكن دمج كل هذه ا المكونات و"طبخها" بأسلوبها المميز (مستغلة خواص الـHTML 5) هو ما يعطي الخدمة نكهتها الخاصة.

كلمة حول فيسبوك، أعتبر هذه الخدمة خطوة بالغة الذكاء إذ بدلا من محاولة التنافس مع فيسبوك في ملعب فيسبوك البيتي قامت غوغل بتطوير هذه الخدمة التي قد تمكن (في حالة وافق فيسبوك على دعمها) المرء من استخدام فيسبوك عن طريقها ولذا سيتم تحييد مخاطر فيسبوك. لا أظن أن هذه الخدمة ستقضي على فيسبوك لكن تقوم باحتواء مخاطره على مصالح غوغل التجارية. كما أنها ستقلل من أهمية الانتماء إلى شبكة اجتماعية محددة لأنها تمكن التواصل بين مستخدمي عدة شبكات مختلفة. هنالك احتمال أن ترفض فيسبوك (أو غيرها) أن توفر دعما لغوغل ويف ولكنها عندها ستخاطر بفقدان جاذبيتها.

قررت غوغل جعل هذه التكنولوجيا مفتوحة المصدر مما سيساهم في عملية التطوير وسيؤدي (حسب رأيي الشخصي) إلى تطوير تطبيقات لم تخطر على بال مصممي الخدمة. كذا هي المصادر المفتوحة. المؤكد أننا لن نملّ.

ملحوظة: لست متأكدا من ترخيص الفيديو لكن يبدو لي أنه حقوقه محفوظة لغوغل (بعكس ترخيص نص المدونة الحر).

Friday, May 15, 2009

عطش

قبل فترة وجيزة اكتشفت مدونة حياة في السينما التي يحررها أمير العمري، المدونة عبارة عن "كتابات شخصية حرة عن السينما في الحياة، والحياة في السينما" ورغم أنني لم أكن مطلعا على كتابات أمير العمري سابقا (وهو ناقد سينمائي) إلا أن آراءه أعجبتني وقد أصبحت من متابعيها. في أول أيار نشرت في "حياة في السينما" تدوينة بعنوان "فيلم "العطش": سينما جميلة ولكن بدون روح" يقوم فيه بانتقاد فيلم عطش (وليس العطش) باكورة أفلام توفيق أبو وائل الروائية الطويلة. لم أوافق المؤلف في تحليله للفيلم وقمت بكتابة رد مقتضب في التعقيبات وقام بالرد علي هناك موضحا بعض الأمور لكنني لا أزال أخالفه الرأي وسأكتب هنا قراءتي الخاصة للفيلم. أرجو من القراء الأعزاء (إن وجدوا) أن يطلعوا على تدوينة العمري وعلى ردي عليه.

لست ناقدا سينمائيا بل مجرد مشاهد عادي لكن قراءتي لفيلم عطش مختلفة جدا عن نقدك له. يهدف الفيلم إلى نقد المجتمع البطريركي فبسبب هذا المجتمع البطريركي يتم التعامل مع المرأة كعورة وبسببه تحدث جرائم "الشرف" (بالإضافة إلى مواضيع أخرى مثل العلاقة الملتبسة بين الأب وابنته الخ...) وقصة الفيلم أنه بسبب إشاعة عن علاقة عاطفية بين جميلة وأحد الشبان يجب على أبو شكري أن يقتلها "لتطهير" "شرف" العائلة ويقوم باقتناء مسدس لتنفيذ الجريمة لكنه عند مواجهته ابنته لا يقوى على قتلها بسبب حبه لها ومن ناحية أخرى فإنه لا يستطيع مواجهة أهل القرية فينأى بعائلته إلى بقعة صادرتها دولة إسرائيل من أهل أم الفحم وبنت فيها مبان خرسانية لتدريب الجيش ثم هجرتها لاحقا... وقد اعتاشت العائلة من بيع الفحم الذي صنعوه من خشب الأشجار التي اقتطعوها من حرج قريب (ومثل هذه الأحراج قام بزراعتها الصندوق القومي اليهودي وفي أحيان كثيرة على أراضي قرى مهجرة). وفي هذه "المملكة" كان الأب هو الآمر الناهي دون أي تحدّ لسلطته. صنع الفحم يحتاج إلى ماء لإطفاء النار مما يجبر العائلة على جلبه من عين ماء محملا على حمار (كما كان الأمر قبل قرن ونيف). في بداية الفيلم يحاول شكري (ابن أبو شكري الوحيد) التهرب من هذه المسؤولية والذهاب إلى المدرسة بدلا من ذلك (وهي برأيي تدل على رغبته بحياة طبيعية وتعد بادرة من بوادر تمرده على سلطة الأب). يقرر الأب بعد هذه الحادثة أن يقوم بربط مكان عيشهم بالمياه الجارية مما يسهل من حياة العائلة لكنه أيضا يسبب سلسلة من الأحداث التي تنتهي بقتل شكري لأباه واستلام مكانه ومعاملته لباقي نساء العائلة بنفس أسلوب أبو شكري.

الفيلم إذن ينتقد بنية المجتمع البطريركي التي لها بعض المسؤولية بآفات المجتمع العربي وحتى بعض تمرد الجيل الجديد فقد تبنى الإبن نفس أساليب الأب وبقيت العائلة تعيش في منفاها القسري/الخياري بسبب ضعف الأب/الإبن وعدم قدرتهما على مواجهة المجتمع. لدينا العديد من الكتابات حول المجتمع البطريركي في الأدبيات النسوية (العربية والعالمية) ولعل أشهر من كتب عنه عربيا هو هشام شرابي. وهذه البنية ليست محصورة بالمجتمع العربي/الشرقي/المسلم لكن حضورها فيه قد يكون أشد طغيانا من المجتمع الغربي الذي كان للحركة النسوية فيه نجاحات أكبر (نسبيا، فلا زالت حقوق المرأة مهضومة حيثما وجدت).

كنت قد تطرقت في تعقيبي على تدوينتك حول الإشارات إلى الوجود الإسرائيلي في الفيلم وقد قمت ببحث سريع في الإنترنت ووجدت بعض الكتابات حول هذا الفيلم كتبها نقاد إسرائيليون وقد انتبهوا أيضا إلى نفس الأمور التي أشرت إليها وانتبهوا إلى أمور غفلت عن عيني (لم أقرأ هذه التحليلات من قبل بل كان ما ذكرت من تحليلي الخاص ولك أن تصدقني أو لا). سأورد ترجمة لبعض المقاطع:

يقول أوري برايتمان: "رغم أنه في الفيلم كله لا نرى أي جندي إسرائيلي، فإن الجيش حاضر-غائب[١] بواسطة صمامات أمان القنابل اليدوية التي جمعتها البنت الصغرى فأضحت آلة موسيقية، عن طريق الأطلال الرمادية وأغلفة الرصاص التي تشكل آثار بنادق جيش الدفاع الإسرائيلي. لا وجود لشرطة، موظفين أو إسرائيليين يهود بالمرة. الدورية الخضراء[٢]، التي عليها حماية الغابات المحمية من قطع الأشجار، لم تكن حاضرة عندما قام ولي الأسرة بمخالفة القانون. يبدو وكأن دولة إسرائيل غير مكترثة بجودة حياة العائلة الفلسطينية المعروضة أمامنا في "عطش"."

أما الناقد متان أهروني فيعيد ذكر الرموز التي ذكرها برايتمان قائلا:"إسرائيل واليهود غير مذكورين في الفيلم بشكل واضح، لكن لهم كيان وحضور رمزي: يظهرون بانهم بنوا أبنية (بيوت مخصصة للتدريبات العسكرية، التي تمثل العنف العسكري) على أراض عربية - كما يدعي الأب أن مكان التدريبات المبني من الخرسانة، التي تعيش فيه العائلة، يقع على أراضي أبائه ولكننا نكتشف أن الأراضي صودرت قبل ٥٠ عاما. عنف اليهود ممثل في صمامات أمان القنابل اليدوية ورصاصات البنادق، التي تستعملها البنت لإنتاج الموسيقى (بدلا عن العنف اليهودي-الصهيوني)، في النقود الإسرائيلية التي يستعملها الأب (لكي يحافظ على البقاء في المكان النائي بواسطة شراء مواسير المياه)، في "الدوريات الخضراء"، التي تستطيع منع رزق العائلة، إن قبضت عليهم، وهي تمثل الجيش بشكل واضح" ولكنه يضيف بتحليله لمغزاه:
"في الفيلم العائلة تمثل العرب الإسرائيليون كلهم، الذين أصبحوا بحسب الفيلم (كما أفهمه) منبوذين ونائين عن بقية العرب حولهم، الدول العربية المجاورة لنا، غير المستعدة لقبولهم ومساعدتهم".

ويقول أيضا:
"برأيي الفيلم ثوري ضد اليهود. إنه يقوم بذلك بصورة رمزية، مثل الأفلام الإيرانية التي في ظل الرقابة تعرض الأمور عن طريق الأمثال مثل استخدام الأطفال والمواضيع الكونية التي يتم تفسيرها من قبل من يتوجه إليهم الفيلم كمواضيع ثورية ومضادة للمؤسسة. كذلك الأمر في هذا الفيلم فإن الانتقاد السياسي والقومي يختبئ خوفا من الرقابة، بسبب كون الفيلم مدعوما من هيئات يهودية، التي تمنع سياستها الدعوة إلى العنف ضد الدولة"

برأيي فالناقد الأخير يبالغ في تفسيره للفيلم وفحواه القومي كما أتحفظ على استخدامه لمصطلح يهود بدلا من صهاينة/السلطة الإسرائيلية. الفيلم برأيي يدعو إلى تغيير بنية المجتمع العربي ويراها شرطا للخروج من وضع الجمود. الفيلم يرمز لظلم المؤسسة الإسرائيلية لكنه انتقاده الخفي لا يخرج عن دائرة المواطنة فهو لا يتحدث عن القضية الفلسطينية ككل بل عن حالة خاصة هي حالة عرب الداخل.

خلاصة: لا أظن وجود خلاف على موهبة المخرج أو الجمال السينمائي ولكنني لي رأي في فحوى الفيلم ومغزاه يختلف عن رأيك.

توضيح لا بد منه
أرى نفسي مضطرا لإضافة هذا التوضيح بعد قراءتي للنص الذي كتبت لتوّي كي أوضح للقارئ بعض الأمور ومنعا من حدوث سوء فهم لرأيي.
أولا، أنا أحترم رأي الناقد أمير العمري وأتفق معه في العديد من طروحاته وإن كنت أختلف معه برأيه لهذا الفيلم بالذات.
ثانيا، أوافق رأيه بوجود العديد من الأفلام المصطنعة التي تلقى إعجاب النقاد الغربيون وقد تنجح في المهرجانات الدولية بسبب جماليتها رغم فحواها الأجوف لكنني لا أرى أن عطش هو أحدها.
ثالثا، برأيي ينبع عدم تقدير العمري للفيلم إلى فهمه الخاطئ لرموزه الذي ينبع من عدم معرفته للوضع الخاص بعرب الداخل (لا أستطيع قراءة الأفكار لكن هذا ما يبدو لي من كتابته) إذ أن تفكيك معاني الرموز يحتاج إلى الإحاطة بظروفهم المعيشية وإدراك المعاني الرمزية لأمور قد تحمل معنى مغايرا في مجتمعات اخرى (مثلا الأحراج وما ترمز إليه من محاولة الحركة الصهيونية إخفاء آثار القرى المهجرة ومحاولتهم أوربة طبيعة البلاد من خلال زرعهم الصنوبر والسرو والكينا - الذي لم يكن منتشرا في فلسطين قبل ذلك-) كما عليه أن يذكر أن الأقلية الفلسطينية الباقية داخل الخط الأخضر حصلت على الجنسية الإسرائيلية ومنذ إلغاء الحكم العسكري في منتصف الستينات لا تعاني من التوغلات العسكرية او منع التجول (وما إلى ذلك مما يعاني منه إخواننا في الضفة الغربية وغزة) لكنها تعاني من التمييز ومصادرة الأراضي إلخ... فخروج أبو شكري من بلده لا يرمز مثلا إلى اللجوء الفلسطيني بل برأيي هو مجرد "خدعة" من المخرج لخلق العالم المنعزل الذي هو رمزي إلى درجة كبيرة ولا يخلو من دلالات على الظلم الإسرائيلي (بالإضافة إلى كونه إشارة إلى ضعف الأب/البطريرك الذي لا يستطيع مواجهة المجتمع). وقد أوردت تحليلا لناقدين إسرائيليين مختلفين (قرأت تحليلهم اليوم لأول مرة) لأبين
انني لست الوحيد الذي خرج بمثل هذا التفسير وأنا لم أحتج للتنقيب عن مقالاتهم فقد كانوا في الأماكن الأولى في غوغل عندما بحثت عن عطش بالعبرية.

أختتم توضيحي بتوجيهي تحية لكل من يسبح ضد التيار بحثا عن الصدق الذاتي، علينا ان نتحلى بروح نقدية وألا نتحول إلى ببغاوات تردد ما تسمعه... ورغم خلافي بالرأي مع العمري إلا أنني أحترم تمسكه برأيه وعدم الانجراف وراء التيار السائد. ردي هنا كان مقتضبا ولم يتحرى جميع الرموز في الفيلم وقد أكتب عن ذلك في فرصة أخرى.

الهوامش

[١]
مصطلح الحاضرون الغائبون يستخدم عادة للدلالة على اللاجئين الفلسطينيين الذين تسللوا عائدين إلى دولة إسرائيل لكن الدولة كانت قد صادرت أملاكهم ومنعتهم من العودة إلى قراهم بادعاء أنهم لم يتواجدوا أثناء الإحصاء السكاني الأول (وذلك بعد أن تم سن قوانين تتيح مصادرة أملاك "الغائبين") فهم رغم حضورهم غائبون بحسب القانون الإسرائيلي.
[٢]
هي دوريات تابعة لسلطة حماية البيئة تهدف منع "انتهاك حرمة" المحميات الطبيعية. نجدر الإشارة أن العديد من مواقع القرى المهجرة زرعت فيها أشجار الصنوبر وأعلنت مناطق خضراء محمية.